(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) رضي الله تعالى عنهما، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ) هَذَا الحكم يشترك فيه الرجال والنساء، وذكره بلفظ المذكر تغليبا (فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ) أي صار إسلامه حسنًا، باعتقاده، وإخلاصه، ودخوله فيه بالباطن والظاهر، وأن يستحضر عند عمله قرب ربه منه، واطلاعه عليه، كما دل عليه تفسير "الإحسان" فِي حديث سؤال جبريل -عليه السلام- كما سبق (كَتَبَ اللَّهُ) أي أمر أن يكتب، ورواه الدارقطنيّ منْ طريق زيد بن شعيب، عن مالك، بلفظ: "يقول الله لملائكته: اكتبوا" (لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ، كَانَ أَزْلَفَهَا) أي أسلفها، وقدّمها، يقال: أزلف، وزلف، مخفّفًا، وزلّف مشدّدًا بمعنى واحد. وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: "كَانَ أزلفها"، كذا لأبي ذرّ، ولغيره: "زَلَفَها"، وهي بتخفيف اللام، كما ضبطه صاحب "المشارق"، وَقَالَ النوويّ: بالتشديد، ورواه الدارقطنيّ منْ طريق طلحة بن يحيى، عن مالك، بلفظ: "ما منْ عبد يُسلم، فيُحسن إسلامه، إلا كتب الله كل حسنة زلفها، ومحا عنه كل خطيئة زلفها"، بالتخفيف فيهما، والنسائي نحوه، لكن قَالَ: "أزلفها"، وزَلّف -بالتشديد- وأزلف بمعنى واحد: أي أسلف، وقَدّم، قاله الخطّابيّ. وَقَالَ فِي "المحكم": أزلف الشيءَ: قَرّبه، وزلفه، مخففا، ومثقلاً: قَدَّمه. وفي "الجامع": الزلفة تكون فِي الخير والشر. وَقَالَ فِي "المشارق": زَلَفَ -بالتخفيف-: أي جَمَع، وكَسَب، وهذا يشمل الأمرين، وأما القربة فلا تكون إلا فِي الخير، فعلى هَذَا تترجح رواية غير أبي ذرّ، لكن منقول الخطّابيّ يساعدها.
(وَمُحِيَتْ) بالبناء للمفعول: أي أُزليت، يقال: محوته مَحْوًا، منْ باب نصر، ومحيته مَحْيًا بالياء، منْ باب نفع لغةٌ: أزلته، وانمحى الشيءُ: ذهب أثره. قاله فِي "المصباح". والمعنى هنا: أزيل (عَنْهُ) أي عن صحيفة أعماله (كُلُّ سَيِّئَةٍ، كَانَ أَزْلَفَهَا) أي قدّمها.
[تنبيه]: ذكر البخاريّ هَذَا الْحَدِيث فِي "صحيحه" معلّقًا، وسقط منْ روايته ذكر كتابة الحسنات المتقدّمة قبل الإسلام، فَقَالَ فِي "الفتح": قيل: إن المصنّف أسقط ما رواه غيره عمدًا؛ لأنه مشكل عَلَى القواعد. وَقَالَ المازري: الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب عَلَى العمل الصالح الصادر منه فِي شركه؛ لأن منْ شرط المتقرب، أن يكون عارفا لمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عياض عَلَى تقرير هَذَا الإشكال، واستضعف ذلك النوويّ، فَقَالَ: الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع، أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة، كالصدقة، وصلة الرحم، ثم أسلم، ومات عَلَى الإسلام، أن ثواب ذلك يكتب له، وأما دعوى أنه مخالف للقواعد، فغير مُسَلَّم؛