لأنه قد يُعتَدّ ببعض أفعال الكافر فِي الدنيا، ككفارة الظهار، فإنه لايلزمه إعادتها إذا أسلم، وتجزئه. انتهى.
والحق أنه لا يلزم منْ كتابة الثواب للمسلم، فِي حال إسلامه، تفضلاً منْ الله، وإحسانا أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه فِي الكفر مقبولاً، والحديث إنما تضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول. ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقًا عَلَى إسلامه، فيُقبل، ويثاب إن أسلم، وإلا فلا، وهذا قوي، وَقَدْ جزم بما جزم به النوويّ إبراهيم الحربي، وابن بطال، وغيرهما منْ القدماء، والقرطبي، وابن الْمُنَيِّر منْ المتأخرين، قَالَ ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أن يُكتَب له ذلك فِي حال كفره، وأما أن الله يُضيف إلى حسناته فِي الإسلام، ثواب ما كَانَ صدر منه، مما كَانَ يظنه خيرا، فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداء، منْ غير عمل، وكما يتفضل عَلَى العاجز بثواب ما كَانَ يعمل، هو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة، جاز أن يُكتب له ثواب ما عمله، غير مُوَفَّى الشروط. وَقَالَ ابن بطال: لله أن يتفضل عَلَى عباده بما شاء، ولا اعتراض لأحد عليه. واستَدَلَّ غيره: بأن منْ آمن منْ أهل الكتاب، يؤتى أجره مرتين، كما دل عليه القرآن، والحديث الصحيح، وهو لو مات عَلَى إيمانه الأول، لم ينفعه شيء منْ عمله الصالح، بل يكون هباء منثورا، فدل عَلَى أن ثواب عمله الأول، يكتب له مضافا إلى عمله الثاني، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-، لَمّا سألته عائشة رضي الله تعالى عنها عن ابن جُدْعان، وما يصنعه منْ الخير، هل ينفعه؟، فَقَالَ:"إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"، فدل عَلَى أنه لو قالها، بعد أن أسلم نفعه ما عمله فِي الكفر. انتهى "فتح" ١/ ١٣٨.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: سيأتي تمام البحث للمسألة قريبًا، إن شاء الله تعالى.
(ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ) أي كتابة المجازاة، والمماثلة الشرعيّة، وضعها الله تعالى؛ فضلاً منه، ولطفًا، لا العقليّة، و"القصاص": مرفوع عَلَى أنه اسم "كَانَ"، ويجوز أن تكون "كَانَ" تامة، وعبر بالماضي؛ لتحقق الوقوع، فكأنه وقع، كقوله تعالى:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الآية [الأعراف: ٤٤](الْحَسَنَةُ) مبتدأ خبره قوله (بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا) والجملة مستأنفة؛ استئنافًا بيانيًّا، وهو ما وقع جوابًا لسؤال مقدّر، تقديره هنا: كيف القصاص؟. وقوله:(إِلَى سَبعِمِائَةِ ضِعْفٍ) متعلّق بمقدّر: أي منتهيةً إلى سبعمائة ضعف. وحَكَى الماوردي: أن بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية، فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة. ورُدَّ عليه بقوله تعالى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [البقرة: ٢٦١]، والآية محتملة للأمرين، فيحتمل أن يكون المراد، أنه يضاعف تلك المضاعفة، بأن يجعلها سبعمائة، ويحتمل أنه