أَمْثَالِهَا} الآية [الأنعام: ١٦٠] فِي الأعراب، فَقَالَ رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن، فما للمهاجرين؟ قَالَ: ما هو أكثر، ثم تلا قوله تعالى:{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النِّساء: ٤٠]. ويشهد لهذا المعنى ما ذكره الله عز وجل فِي حقّ أزواج نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} إلى قوله: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} الآية [الأحزاب: ٣٠ - ٣٢]، فدلّ عَلَى أن منْ عظمت منزلته، ودرجته عند الله، فإن عمله يُضاعف له أجره. وَقَدْ تأول بعض السلف منْ بني هاشم دخول آل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا المعنى؛ لدخول أزواجه، فلذلك (١) منْ حسن إسلامه بتحقيق إيمانه وعمله الصالح، فإنه يضاعف له أجر عمله، بحسب حسن إسلامه، وتحقيق إيمانه وتقواه. والله أعلم.
ويشهد لذلك أن الله ضاعف لهذه الأمة لكونها خير أمة أُخرجت للناس أجرها مرّتين، قَالَ الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} الآية [الحديد: ٢٨].
وفي الْحَدِيث الصحيح:"إن أهل التوراة عملوا إلى نصف النهار عَلَى قيراط قيراط، وعمِل أهل الإنجيل إلى العصر عَلَى قيراط قيراط، وعمِلتم أنتم منْ العصر إلى غروب الشمس عَلَى قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: ما لنا أكثر عملاً، وأقلّ أجرًا؟ فَقَالَ الله: هل ظلمتكم منْ أجوركم شيئًا؟ قالوا: لا، قَالَ: فذلك فضلي أوتيه منْ أشاء".
وأما منْ أحسن عمله، وأتقنه، وعمِله عَلَى الحضور والمراقبة، فلا ريب أنه يتضاعف بذلك أجره، وثوابه فِي هَذَا العمل بخصوصه عَلَى منْ عمل ذلك العمل بعينه عَلَى وجه السهو والغفلة.
ولهذا رُوي فِي حديث عمّار -رضي الله عنه- المرفوع:"إن الرجل ينصرف منْ صلاته، وما كُتب له إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، حَتَّى بلغ العشر"، فليس ثواب منْ كُتب له عشر عمله كثواب منْ كتب له نصفه، ولا ثواب منْ كتب له نصفه كثواب منْ كتب له عمله كلّه. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي "شرح صحيح البخاريّ" ١/ ١٥٤ - ١٦٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تحرّر مما سبق أن الحق قول منْ قَالَ: إن الكافر
(١) هكذا النسخة، والظاهر أن الصواب: وكل ذلك، فتأمله.