يقال: إنه يعود إليه بإسلامه الثاني عَلَى تقدير حبوطه. والله أعلم.
وَقَدْ وردت نصوصٌ أُخر تدلّ عَلَى أن الكافر إذا أسلم، وحسن إسلامه، فإنه تُبدّل سيئاته فِي حال كفره حسنات، وهذا أبلغ مما قبله، وهو يدلّ عَلَى أن التائب منْ ذنب تُبدل سيئاته قبل التوبة بالتوبة حسنات، كما دلّت عليه الآية فِي "سورة الفرقان"، وفي ذلك كلام يطول ذكره هاهنا. ولا يستبعد إثابة المسلم فِي الآخرة بما عمل قبل إسلامه منْ الحسنات، فإنه لابُدّ أن يثاب عليها فِي الدنيا، وفي إثابته عليها فِي الآخرة بتخفيف العذاب نزاعٌ مشهور، فإذا لم يكن بدّ منْ إثابته عليها، فلا يستنكر أن يثاب عليها بعد إسلامه فِي الآخرة؛ لأن المانع منْ إثابته عليها فِي الآخرة هو الكفر، وَقَدْ زال.
وَقَدْ يُستدلّ لهذا أيضًا بقول الله عز وجل فِي قصّة أسارى بدر:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} الآية [الأنفال: ٧٠]، وَقَدْ كَانَ العبّاس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- وهو منْ جملة هؤلاء الأسارى- يقول: أما أنا فقد آتاني الله خيرًا مما أُخذ مني وعدني المغفرة. أخرجه ابن جرير فِي "تفسيره" ١٠/ ٣٥.
فهذه الآية تدلّ عَلَى أن الكافر إذا أُصيب بمصيبة فِي حال كفره، ثم أسلم، فإنه يُثاب عَلَى مصيبته، فلأن يُثاب عَلَى ما سلف منه منْ أعماله الصالحة أولى، فإن المصائب يُثاب عَلَى الصبر عليها، والرضى بها، وأما نفس المصيبة فقد قيل: إنه يُثاب عليها، وقيل: إنه لا يثاب عليها، وانما يُكفَّر عنه ذنوبه. وهذا هو المنقول عن كثير منْ الصحابة.
[والمعنى الثاني]: مما يُفسّر به إحسان الإسلام أن تقع طاعات المسلم عَلَى أكمل وجوهها، وأتمها، بحيث يستحضر العامل فِي حال عمله قرب الله تعالى منه، واطّلاعه عليه، فيعمل له عَلَى المراقبة، والمشاهدة لربّه بقلبه، وهذا هو الذي فسر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- به الإحسان فِي حديث سؤال جبريل -عليه السلام-.
وَقَدْ دلّ حديث أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما المذكوران (١) عَلَى أن مضاعفة الحسنات للمسلم بحسب حسن إسلامه. وأخرج ابن أبي حاتم منْ رواية عطيّة العوفيّ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: نزلت {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
(١) ٤٢ أما حديث أبي سعيد، فهو الذي أورده النسائيّ فِي هَذَا الباب، وأما حديث أبي هريرة فما أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاريّ، منْ طريق همام بن منبه، عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها، تكتب له بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها".