[فإن قيل]: "أفضل" أفعل تفضيل، وَقَدْ تقرّر فِي محلّه أن أفعل التفضيل لا يُستعمل إلا بأحد الأوجه الثلاثة، وهي: الإضافة،، و"منْ"، واللام، ولا يوجد شيء منها هنا.
[أجيب]: بأنه يجوز تجريده منْ كلها عند العلم به، نحو قوله تعالى:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه: ٧] أي وأخفى منْ السرّ. وقولك:"الله أكبر": أي أكبر منْ كلّ شيء، فالتقدير هنا: أفضل منْ غيره، ومعنى الأفضل: هو اكثر ثوابًا عند الله تعالى، كما تقول: الصدق أفضل منْ غيره: أي هو أكثر ثوابًا عند الله تعالى منْ غيره. أفاده فِي "عمدة القاري" ١/ ١٥٣ - ١٥٤.
[تنبيه]: وقع التعبير فِي حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي الله عنه- هنا بلفظ:"أفضل"، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما الآتي فِي الباب التالي بلفظ "خير"، فَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: والذي ظهر لي فِي الفرق بين "أفضل"، و"خير" أن لفظة "أفضل" إنما تستعمل فِي شيئين اشتركا فِي غير فضل، وامتاز أحدهما عن الآخر بفضل اختص به، فهذا الممتاز قد شار ذاك فِي الفضل، واختصّ عنه بفضل زائد، فهو ذاك. وأما لفظة "خير" فتستعمل فِي شيئين، فِي كلّ منهما نوع منْ الخير، أرجح مما فِي الآخر، سواء كَانَ لزيادة عليه فِي ذاته، أو فِي نفعه، أو غير ذلك، وإن اختلف جنساهما، فترجيح أحدهما عَلَى الآخر يكون بلفظة "خير"، فيقال مثلاً: النفع المتعدّي خير منْ النفع القاصر، وإن كَانَ جنسهما مختلفًا، ويقال: زيد أفضل منْ عمرو، إذا اشتركا فِي علم، أو دين، ونحو ذلك، وامتاز أحدهما عَلَى الآخر بزيادة. وإن استُعمل فِي النوع الأول لفظة "أفضل"، مع اختلاف الجنسين، فقد يكون المراد أن ثواب أحدهما أفضل منْ ثواب الآخر، وأزيد منه، فقد وقع الاشتراك فِي الثواب، وامتاز أحدهما بزيادة منه.
وحينئذ فمن سلم المسلمون منْ لسانه ويده إسلامه أفضل منْ إسلام غيره، ممن ليس كذلك؛ لاشتراكهما فِي الإتيان بحقوق الله تعالى فِي الإسلام منْ الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ونحو ذلك، وامتاز أحدهما بالقيام بحقوق المسلمين، فصار هَذَا الإسلام أفضل منْ ذلك.
وأما المسلم: فيقال: هَذَا أفضل منْ ذاك؛ لأن إسلامه أفضل منْ إسلامه، ويقال: هو خير منْ ذاك؛ لترجح خيره عَلَى خير غيره، وزيادته عليه. انتهى "شرح البخاريّ" لابن رَجَب رحمه الله تعالى ١/ ٤٠ - ٤١.
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)"منْ": موصولة، عَلَى حذف مضاف، خبرٌ لمحذوف: أي هو إسلام منْ سلم الخ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه