(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بن العاص رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ رَجُلاً) قَالَ الحافظ: لم أعرف اسمه، وقيل: إنه أبو ذر -رضي الله عنه-، وفي ابن حبّان أن هانىء بن يزيد، والد شُريح سأل عن معنى ذلك، فأجيب بنحو ذلك.
(سَأَلَ رَسُولَ اللهِ) وفي رواية البخاريّ: "النبيّ"(-صلى الله عليه وسلم-، أَيُّ الإِسْلَام خَيْرٌ؟) فيه ما فِي الذي قبله منْ السؤال، والتقديرُ: أيُّ خصال الإسلام خير؟، قدره فيَ "الفتح": وَقَالَ: وإنما لم أختر تقدير "خصال" فِي الأول؛ فرارا منْ كثرة الحذف، وأيضًا فتنويع التقدير، يتضمن جواب منْ سأل، فَقَالَ: السؤالان بمعنى واحد، والجواب يختلف، فيقال له: إذا لاحظت هذين التقديرين، بَانَ الفرقُ. ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان، إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلام لسلامة اللسان، قاله الكرماني، وكأنه أراد فِي الغالب. ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية، إن لُوحظ بين لفظ "أفضل"، ولفظ "خير" فرق. وَقَالَ الكرماني: الفضل بمعنى كثرة الثواب فِي مقابلة القلة، والخير بمعنى النفع فِي مقابلة الشر، فالأول منْ الكمية، والثاني منْ الكيفية، فافترقا.
واعتُرِض بأن الفرق لا يتم، إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كَانَ كل منهما يُعقَل تأتيه فِي الأخرى فلا، وكأنه بنى عَلَى أن لفظ "خير" اسم، لا أفعل تفضيل، وعلى تقدير اتحاد السؤالين جواب مشهور، وهو الحمل عَلَى اختلاف حال السائلين، أو السامعين، فيمكن أن يراد فِي الجواب الأول، تحذيرُ منْ خَشِيَ منه الايذاء بيد، أو لسان، فأَرشد إلى الكف، وفي الثاني ترغيب منْ رَجَى فيه النفع العام بالفعل والقول، فأَرشد إلى ذلك، وخَصّ هاتين الخصلتين بالذكر؛ لمسيس الحاجة إليهما فِي ذلك الوقت؛ لما كانوا فيه منْ الجهد، ولمصلحة التأليف، ويدل عَلَى ذلك أنه عليه الصلاة والسلام حَثّ عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمذيّ وغيره، مصححا منْ حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- (١).
(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (تُطْعِمُ الطَّعَامَ) برفع الفعل، وهو فِي تقدير الحرف المصدريّ، أي أن تطعم، خبر لمحذوف: أي هو إطعامك الطعام، ونظيره:"تسمعُ بالمعيديّ خير منْ أن تراه"، وحذف "أن" ورفع الفعل جائز فِي سعة الكلام، وهو مذهب الأخفش منْ