للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النحاة، وقوّاه ابن مالك فِي "التسهيل"، ومنه قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية، والتقدير: أن يريكم. وإنما الشاذّ حذف "أن"، ونصب الفعل، كما فِي قول الشاعر:

أَلَا أَيُّهَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى … وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي

وإلى هَذَا أشار فِي "الخلاصة" بقوله:

وَشَذَّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ فِي سِوَى … مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى (١)

(وَتَقْرَأُ السَّلَامَ) بلفظ مضارع القراءة، بمعنى تقول. قَالَ أبو زيد: أقرئني خبرًا: أخبرني به. وَقَالَ أبو حاتم السجستاني: يقال: اقرأ عليه السلام، وأقرئه الكتاب، ولا يقال: أقرئه السلام، إلا أن يكون مكتوبا فِي كتاب، ويقال: أقرئه إياه، ولا يقال: أقرئه السلام، إلا فِي لغة شنوءة. قاله ابن بطال "شرح البخاريّ" ١/ ٦٤. وَقَالَ الفيّوميّ: وقرأت عَلَى زيد السلام أقرؤه عليه قراءةً، وإذا أمرت منه قلت: اقرأ عليه السلامَ. قَالَ الأصمعيّ: وتعديته بنفسه خطأٌ، فلا يقال: اقرأه السلام؛ لأنه بمعنى اتل عليه. وحكى ابن القطاع أنه يتعدّى بنفسه رباعيًّا، فيقال: فلانٌ يُقرئك السلام. انتهى.

(عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعرِفْ") أي لا تُخصّ به أحدا؛ تكبرًا، أو تصنعًا، بل تعظيما لشعار الإسلام، ومراعاة لأخُوّة المسلم، فهذا أفضل أنواع إفشاء السلام، ويخرج منْ عموم ذلك منْ لا يجوز ابتداؤه بالسلام، كأهل الكتاب، عند جمهور العلماء (٢).

قَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: جعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَدِيث خير الإسلام إطعام الطعام، وإفشاء السلام. وفي "المسند" ٤/ ٣٨٥ عن عمرو بن عَبَسَة -رضي الله عنه- أنه سأل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: ما الإسلام؟ قَالَ: "لين الكلام، وإطعام الطعام". ومراده الإسلام التامّ الكامل، وهذه الدرجة فِي الإسلام فضلٌ، وليست واجبةً، إنما هي إحسان. وأما سلامة المسلمين منْ اللسان واليد، فواجبة، إذا كانت منْ غير حقّ، فإن كانت السلامة منْ حقّ كَانَ أيضًا فضلاً. وَقَدْ جمع الله تعالى بين الأَفْضَال بالنداء (٣)، وترك الأذى فِي وصف المتّقين فِي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤]، فهذا إحسان وفضل، وهو بذل الندى، واحتمال الأذى.


(١) راجع شرح ابن عقيل عَلَى الخلاصة، مع حاشية الخضريّ ٢/ ١٨٣.
(٢) انظر "شرح البخاريّ للحافظ ابن رَجَب" ١/ ٤٤.
(٣) هكذا النسخة، ولعل الصواب بالندى بالفتح مقصورًا، وهو العطاء، وعليه يدلّ آخر كلامه. والله أعلم.