(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان خير خصال الإسلام.
(ومنها): أن فيه حثًّا عَلَى إطعام الطعام، ومواساة المحتاجين، واستجلاب قلوب النَّاس به، وببذل السلام، لأنه ليس شيء أجلب للمحبة، وأثبت للمودّة منهما، وَقَدْ مدح الله عز وجل المطعم للطعام، فَقَالَ:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الآية [الإنسان: ٨]، ثم ذكر الله تعالى جزيل ما أثابهم عليه، فَقَالَ:{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} الآيات [الإنسان: ١١]، ووصف سبحانه وتعالى منْ لم يُطعم بقوله فِي وصف أهل النار: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} الآية [المدثر: ٤٣ - ٤٤]. وعاب منْ أراد أن يحرِم طعامه أهل الحاجة إليه، فذكر أهل الجنة:{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} إلى {كَالصَّرِيمِ} -يعني المقطوع- فأذهب الله تعالى ثمارهم، وحرمهم إياها، حين قصدوا الاستئثار بها دون المساكين. أفاده ابن بطال "شرح البخاريّ" ١/ ٦٤.
(ومنها): أن فيه الحثّ عَلَى إفشاء السلام الذي هو دليل عَلَى خفض الجناح للمسلمين، والتواضع، والحثّ عَلَى تألف قلوبهم، واجتماع كلمتهم، وتوادّهم، ومحبّتهم. (ومنها): الإشارة إلى تعميم السلام، وهو أن لا يخصّ به أحدا دون أحد، كما يفعله الجبابرة؛ لأن المؤمنين كلهم إخوة، وهم متساوون فِي رعاية الأخوّة، ثم إن هَذَا العميم مخصوص بالمسلمين، فلا يسلّم ابتداء عَلَى كافر؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبدءوا اليهود، ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتهم فِي الطريق، فاضطرّوهم إلى أضيقه"، رواه البخاريّ، وكذلك خُصّ منه الفاسق بدليل آخر، وأما منْ شُكّ فيه، فالأصل فيه البقاء عَلَى العموم، حَتَّى يثبت الخصوص، ويمكن أن يقال: إن الْحَدِيث كَانَ فِي ابتداء الإسلام لمصلحة التأليف، ثم ورد النهي. قاله فِي "عمدة القاري" ١/ ١٥٦ - ١٥٧. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي الأسئلة والأجوبة التي ذكروها فِي هَذَا الْحَدِيث:
(منها): ما قيل: لم قَالَ: "تطعم الطعام"، ولم يقل: تؤكل، ونحوه منْ الألفاظ الدالة عليه؟. [أجيب]: بأن لفظة الإطعام عام يتناول الأكل، والشرب، والذوق، قَالَ الشاعر: