فإنه عطف البرد الذي هو النوم، والنُّقاخ بضم النون، وبالقاف، والخاء المعجمة-: الذي هو الماء العذب، وَقَالَ تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}: أي ومن لم يذقه، منْ طَعِم الشيءَ: إذا ذاقه، وبعمومه يتناول الضيافة، وسائر الولائم، وإطعام الفقراء، وغيرهم. قاله العينيّ. "عمدة القاري" ١/ ١٥٧.
(ومنها): ما قيل: إن باب أطعم يقتضي مفعولين، يقال: أطعمته الطعام، فما هو المفعول الثاني هنا، ولم حذف؟.
[أجيب]: بأن المفعول الثاني مقدّر: أي تعطم الخلق الطعام، وإنما حُذف للإشارة إلى أن إطعام الطعام غير مختصّ بأحد، سواء كَانَ المطعَم مسلمًا، أو كافرًا، أو حيوانًا آخر، وسواء كَانَ الإطعام، فرضًا، أو سنة، أو مستحبًّا. أفاده فِي "عمدة القاري" أيضًا ١/ ١٥٧.
(ومنها): ما قيل: لم قَالَ: "وتقرأ السلام"، ولم يقل: وتسلّم. [وأجيب]: بأنه يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمّن للسلام. وفيه إشارة أيضًا إلى أن تحيّة المسلمين بلفظ السلام، وزيدت لفظة القراءة تنبيهًا عَلَى تخصيص هذه اللفظة فِي التحيّات، مخالفة لتحايا أهل الجاهليّة بألفاظ وضعوها لذلك.
(ومنها): ما قيل: اللفظ عام، فيدخل الكافر، والمنافق، والفاسق. [وأجيب]: بأنه خص بأدلة أخرى، أو أن النهى متأخّر، وكان هَذَا عاما لمصلحة التأليف، وأما منْ شك فيه فالأصل البقاء عَلَى العموم، حَتَّى يثبت الخصوص.
(ومنها): ما قيل: لم خصّ هاتين الخصلتين فِي هَذَا الْحَدِيث؟. [وأجيب]: بأن المكارم لها نوعان: [أحدهما]: مالية، أشار إليها بقوله:"تُطعم الطعام". [والآخر]: بدنيّةٌ أشار إليها بقوله: "وتقرأ السلام". ويقال: وجه تخصيص هاتين الخصلتين هو مساس الحاجة إليهما فِي ذلك الوقت؛ لما كانوا فيه منْ الجهد، ولمصلحة التأليف، ويدلّ عَلَى ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- حثّ عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمذيّ، مصححًا، منْ حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، قَالَ: أول ما قدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، انجفل النَّاس إليه، فكنت ممن جاءه، فلما تأملت وجهه، واشتبهته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذّاب، قَالَ: وكان أول ما سمعت منْ كلامه أن قَالَ: "أيها النَّاس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصَلُّوا بالليل، والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". وَقَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: جعل -صلى الله عليه وسلم- أفضلها إطعام الطعام الذي هو قوام الأبدان، ثم جعل خير الأقوال فِي البر والإكرام إفشاءَ السلام الذي يعمّ، ولا يخصّ منْ عرف، ومن لم يعرف، حَتَّى يكون خالصًا لله تعالى، بريئًا منْ حظّ النفس، والتصنّع؛ لأنه