حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، كلاهما عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، وهذا حديث أبي بكر، قَالَ: أول منْ بدأ بالخطبة يوم العيد، قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فَقَالَ: الصلاة قبل الخطبة، فَقَالَ: قد تُرِك ما هنالك، فَقَالَ أبو سعيد: أما هَذَا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"منْ رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قوله: "أول منْ بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان": قَالَ القاضي عياض رحمه الله: اختُلف فِي هَذَا، فوقع هنا ما نراه، وقيل: أول منْ بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان رضى الله عنه، وقيل: عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لَمّا رأى النَّاس يذهبون عند تمام الصلاة، ولا ينتظرون الخطبة، وقيل: بل ليدرك الصلاة منْ تأخر وبعد منزله، وقيل: أول منْ فعله معاوية، وقيل: فعله ابن الزبير رضى الله عنه، والذى ثبت عن النبى -صلى الله عليه وسلم-، وأبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضى الله عنهم تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وَقَدْ عَدّه بعضهم إجماعا -يعنى والله أعلم- بعد الخلاف، أولم يلتفت إلى خلاف بنى أمية، بعد إجماع الخلفاء، والصدر الأول. وفي قوله بعد هَذَا:"أما هَذَا فقد قضى ما عليه"، بمحضر منْ ذلك الجمع العظيم، دليل عَلَى استقرار السنة عندهم عَلَى خلاف ما فعله مروان، وبينه أيضًا احتجاجه بقوله: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"منْ رأى منكرا فليغيره"، ولا يسمى منكرا لو اعتقده، ومن حضر، أو سبق به عمل، أو مضت به سنة، وفي هَذَا دليل عَلَى أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان، وأن ما حُكِي عن عمر، وعثمان، ومعاوية -رضي الله عنهم- لا يصح. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ٢/ ٢١.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "أول منْ بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان": هَذَا أصحّ ما رُوي فِي أول منْ قدّم الخطبة عَلَى الصلاة، وَقَدْ روي أول منْ فعل ذلك عمر، وقيل: عثمان، وقيل: ابن الزبير، وقيل: معاوية -رضي الله عنهم-. قَالَ: وبعيد أن يصحّ شيء منْ ذلك عن مثل هؤلاء؛ لأنهم شاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصلّوا معه أعيادًا كثيرةً، والصحيح المنقول عنه، والمتواتر عند أهل المدينة، تقديم الصلاة عَلَى الخطبة، فكيف يعدل أحد منهم عمّا فعله النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وداوم عليه إلى أن تُوفّي؟ فإن صحّ عن واحد منْ هؤلاء أنه قدّم ذلك، فلعلّه إنما فعله لما رأى منْ انصراف النَّاس عن الخطبة، تاركين لسماعها، مستعجلين، أو ليُدرك الصلاة منْ تأخّر، وبعُد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تُترك سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمثل ذلك، واْولئك الملأ أعلم، وأجلّ منْ أن يصيروا إلى ذلك. والله أعلم.