وأما مروان، وبنو أميّة، فإنما قدّموا لأنهم كانوا فِي خُطبهم ينالون منْ عليّ -رضي الله عنه-، ويُسمعون النَّاس ذلك، فكان النَّاس إذا صلَّوا معهم انصرفوا عن سماع خُطبهم لذلك، فلمّا رأى مروان ذلك، أو منْ شاء الله منْ بني أميّة قدّموا الخطبة ليُسمِعوا النَّاس منْ ذلك ما يَكرهون، والصواب تقديم الصلاة عَلَى الخطبة، كما تقدّم، وَقَدْ حَكَي بعض علمائنا الإجماع. انتهى "المفهم" ١/ ٢٣١ - ٢٣٢.
وقوله:"فقام اليه رجل، فَقَالَ: الصلاة قبل الخطبة، فَقَالَ: قد تُرِك ما هنالك، فَقَالَ أبو سعيد: أما هَذَا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "منْ رأى منكم منكرا فليغيره بيده … " الْحَدِيث:
قد يقال: كيف تأخر أبو سعيد رضى الله عنه، عن إنكار هَذَا المنكر، حَتَّى سبقه إليه هَذَا الرجل؟ وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد، لم يكن حاضرا أول ما شَرَع مروان فِي أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد، وهما فِي الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كَانَ حاضرا منْ الأول، ولكنه خاف عَلَى نفسه أو غيره حصول فتنة، بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يخف ذلك الرجل شيئا؛ لاعتضاده بظهور عشيرته، أو غير ذلك، أو أنه خاف، وخاطر بنفسه، وذلك جائز فِي مثل هَذَا، بل مستحب. ويحتمل أن أبا سعيد هَمَّ بالإنكار، فبدره الرجل، فعضده أبو سعيد. والله أعلم.
ثم إنه جاء فِي الْحَدِيث الآخر، الذى اتفق البخارى ومسلم رضى الله عنهما عَلَى إخراجه، فِي "باب صلاة العيد" أن أبا سعيد -رضي الله عنه- هو الذى جذب بيد مروان، حين رآه يصعد المنبر، وكانا جاءا معًا، فرد عليه مروان بمثل ما ردّ هنا عَلَى الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحداهما لأبى سعيد، والأخرى للرجل، بحضرة أبى سعيد. والله أعلم.
وأما قوله: "فقد قضى ما عليه"، ففيه تصريح بالإنكار أيضًا منْ أبى سعيد. انتهى "شرح مسلم" ٢/ ٢١ - ٢٢.
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "فقام إليه رجل الخ": مقتضى هَذَا السياق أن المنكر عَلَى مروان رجلٌ غير أبي سعيد، وأن أبا سعيد مُصوّبٌ للإنكار، مستدلّ عَلَى صحّته، وفي الرواية الأخرى أن أبا سعيد هو المنكر، والمستدلّ، ووجه التوفيق بينهما أن يقال: إن كلّ واحد منْ الرجل وأبي سعيد أنكر عَلَى مروان، فرأى بعض الرواة إنكار الرجل، ورأى بعضهم إنكار أبي سعيد. وقيل: هما واقعتان فِي وقتين، وفيه بُعْدٌ. انتهى "المفهم" ١/ ٢٣٢.
(سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ) إذا كَانَ مما يحتاج فِي