تغييره إلى اليد، مثل كسر أواني الخمر، وآلات اللَّهو، كالمزامير، والأوتار، والطبل، وكمنع الظالم منْ الضرب، والقتل، وغير ذلك (فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) أي إن لم يستطع تغييره بيده، فليُنكره بلسانه، بأن يقول ما يُرتجَى نفعه، منْ لين، أو إغلاظ، حسبما يكون أنفع، فقد يبلغ بالرفق، والسياسة، ما لا يبلغ بالسيف والرياسة (فَإِنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ) أي فليُغيره بقلبه، ومعناه أن يكره ذلك الفعل بقلبه، وَيعزم عَلَى أن لو قدر عَلَى تغييره لغيره (وَذَلِكَ) أي الاكتفاء بالكراهة بالقلب (أَضْعَفُ الإِيمَانِ) أي أضعف خصال الإيمان. يعني أن تغيير المنكر بقلبه، وهو إنكاره آخر خصلة منْ الخصال المتعينة عَلَى المؤمن فِي تغيير المنكر، فلم يبق بعدها للمؤمن مرتبة أخرى فِي تغييره، ولذلك قَالَ فِي الرواية الأخرى: وليس وراء ذلك منْ الإيمان حبّة خردل"، أي لم يبق وراء هذه المرتبة رتبة أخرى. أفاده القرطبيّ رحمه الله تعالى.
وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: قوله: "أضعف الإيمان": أي أضعف أعمال الإيمان المتعلّقة بإنكار المنكر فِي ذاته، لا بالنظر إلى غير المستطيع، فإنه بالنظر إليه تمام الوسع والطاقة، وليس عليه غيره. انتهى.
[تنبيه]: قَالَ الشيخ عزّ الدين ابن عبد السلام رحمه الله تعالى: فيه سؤالان: (الأول): ما العامل فِي المجرورين الأخيرين؟. (الثاني): قوله: أضعف الإيمان مشكلٌ؛ لأنه يُذمّ فاعله، وأيضًا فقد يعظم إيمان الشخص، وهو لا يستطيع التغيير بيده، فلا يلزم منْ العجز عن التغيير ضعف الإيمان، لكنه قد جعله أضعف الإيمان، فما الجواب؟.
قَالَ: الجواب عن الأول أنه لا يجوز أن يكون العامل "يُغَيِّرْه" المنطوق به؛ لأنه لو كَانَ كذلك، لكان المعنى: فليغيّره بلسانه، وقلبه، لكن التغيير لا يتأتّى باللسان، ولا بالقلب، فيتعيّن أن يكون العامل فليُنكره بلسانه، وليكرهه بقلبه، فيثبت لكلّ واحد منْ الأعضاء ما يناسبه.
وعن الثاني: أن المراد بالإيمان هنا الإيمان المجازيّ (١) الذي هو الأعمال، ولا شكّ أن التقرّب بالكراهة، ليس كالتقرّب بالذي ذكره قبله، ولم يُذكر ذلك للذمّ، وذُكر ليعلَم المكلّف حَقَارة ما حصل فِي هَذَا القسم، فيرتقي إلى غيره. انتهى كلام ابن عبد السلام. نقله السيوطيّ فِي كتابه "زَهر الرُّبَى فِي شرح المجتبى" ٨/ ١١٢ - ١١٣. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
(١) التعبير بالإيمان المجازيّ فيه نظر لا يخفى، فتبصّر.