(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان تفاضل أهل الإيمان فيه، ووجه الاستدلال به أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل الإنكار بالقلب أضعف الإيمان، فهو يدلّ عَلَى ما قبله، وهو الإنكار بالقول، قويّ الإيمان، والذي قبله، وهو الإنكار باليد أقوى منه، وهذا هو التفاوت. (ومنها): أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فليغيّره" أمر، وهو للوجوب، فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر منْ واجبات الإيمان، ودعائم الإسلام، بالكتاب، والسنّة، وإجماع الأمة، ولا يُعتدّ بخلاف الرافضة فِي ذلك؛ لأنهم إما مكفَّرون، وإما مبدَّعون، فلا يُعتدّ بخلافهم؛ لظهور فسقهم. قاله القرطبيّ. (ومنها): أن وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر عَلَى الكفاية،؛ لقول الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} الآية [آل عمران: ١٠٤]، فقد عبّر بـ"منْ" التبعيضيّة، إشارة إلى أنه واجب كفائيّ، والله تعالى أعلم. (ومنها): أن شرط وجوبه أمران: العلم بكون ذلك الفعل معروفًا، أو منكرًا؛ لأن ذلك لا يتأتّى للجاهل. والثاني: القدرة عليه؛ لأنه قَالَ:"فإن لم يستطع الخ"، فدلّ عَلَى أن غير المستطيع لا يجب عليه، وإنما عليه أن ينكر بقلبه. والله تعالى أعلم. (ومنها): أنه يدلّ على مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فأولها الإنكار باليد، والثاني الإنكار باللسان، والثالث، وهو الأخير الإنكار بالقلب. (ومنها): أنه يدلّ عَلَى أن منْ خاف عَلَى نفسه القتل، أو الضرب سقط عنه تغيير المنكر، وهو مذهب المحقّقين سلفًا وخلفًا، وذهبت طائفة منْ الغُلاة إلى أنه لا يسقط، وإن خاف ذلك. قاله فِي "المفهم" ١/ ٢٣٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قد تكلّم النوويّ رحمه الله تعالى عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي "شرح مسلم" بكلامٍ نفيسٍ، ملخّص مما قاله المحقّقون، أحببت إيراده هنا، وإن كَانَ بعضه