للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقدّم، إلا أن ذكره مجموعًا فِي موضع واحد أعون عَلَى استيعابه، وأسرع لاستحضاره:

قَالَ رحمه الله تعالى: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-:"فليغيره": فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وَقَدْ تطابق عَلَى وجوب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وهو أيضًا منْ النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف فِي ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يُعتَدّ بخلافهم، كما قَالَ الإمام أبو المعالى، إمام الحرمين: لا يُكترث بخلافهم فى هَذَا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء.

ووجوبه بالشرع، لا بالعقل، خلافا للمعتزلة، وأما قول الله عز وجل: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية [المائدة: ١٠٥]، فليس مخالفا لما ذكرناه؛ لأن المذهب الصحيح عند المحققين فِي معنى الآية: إنكم إذا فعلتم ما كُلِّفتم به، فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥]، وإذا كَانَ كذلك، فمما كُلِّف به الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، فإذا فعله، ولم يمتثل المخاطب، فلا عَتْبَ بعد ذلك عَلَى الفاعل؛ لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهى، لا القبول. والله أعلم.

ثم إن الامر بالمعروف، والنهى عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض النَّاس، سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل منْ تمكن منه، بلا عذر، ولا خوف.

ثم إنه قد يتعين كما إذا كَانَ فِي موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن منْ إزالته الا هو، وكمن يرى زوجته، أو ولده، أو غلامه عَلَى منكر، أو تقصير فِي المعروف.

قَالَ العلماء رضى الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر؛ لكونه لا يفيد فِي ظنه، بل يجب عليه فعله، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥]، وَقَدْ قدمنا أن الذى عليه الأمر والنهي، لا القبول، وكما قَالَ الله عز وجل: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [العنكبوت: ١٨] ومَثَّل العلماء هَذَا بمن يرى إنسانا فِي الحمام، أو غيره، مكشوف بعض العورة، ونحو ذلك، والله أعلم.

قَالَ العلماء: ولا يشترط فِي الآمر والناهى أن يكون كامل الحال، ممتثلا ما يأمر به، مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر، وإن كَانَ مُخِلّاً بما يأمر به، والنهي وإن كَانَ متلبسا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه، وينهاها ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما، كيف يباح له الإخلال بالآخر؟.

قَالَ العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قَالَ إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة فِي الصدر الأول، والعصر الذى يليه، كانوا يأمرون الولاة بالمعروف،