للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم عَلَى التشاغل بالأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، منْ غير ولاية، والله أعلم.

ثم إنَّه إنما يأمر وينهى، منْ كَانَ عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشىء، فإن كَانَ منْ الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة، كالصلاة، والصيام، والزنا، والخمر، ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كَانَ منْ دقائق الأفعال، والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد، لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أُجمع عليه، أما المختلف فيه، فلا إنكار فيه؛ لأن عَلَى أحد المذهبين كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين منْ المحققين، أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر المصيب واحد، والمخطىء غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه عَلَى جهة النصيحة إلى الخروج منْ الخلاف، فهو حسن محبوب، مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون عَلَى الحث عَلَى الخروج منْ الخلاف، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع فى خلاف آخر.

وذكر أقضى القضاة، أبو الحسن الماورديّ البصريّ الشافعيّ فى كتابه "الأحكام السلطانية" خلافا بين العلماء فِي أن منْ قلّده السلطان الْحِسبْة، هل له أن يَحمِل النَّاس عَلَى مذهبه، فيما اختلف فيه الفقهاء، إذا كَانَ المحتسب منْ أهل الاجتهاد، أم لا يغير ما كَانَ عَلَى مذهب غيره، والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه، ولم يزل الخلاف فِي الفروع، بين الصحابة والتابعين، فمن بعدهم رضى الله عنهم أجمعين، ولا ينكر محتسب، ولا غيره عَلَى غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتى، ولا للقاضى أن يعترض عَلَى منْ خالفه، إذا لم يخالف نصا، أو اجماعا، أو قياسا جليا، والله أعلم.

(واعلم): أن هَذَا الباب أعني باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قد ضُيِّع أكثره منْ أزمان متطاولة، ولم يبق منه فى هذه الأزمان، إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر ومِلاكه، وإذا كثر الخبث عَمّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا عَلَى يد الظالم، أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [النور: ٦٣].

فيبغى لطالب الآخرة، والساعى فِي تحصيل رضا الله عز وجل، أن يعتنى بهذا الباب، فإن نفعه عظيم، لاسيما وَقَدْ ذهب معظمه، ويُخلِص نيته، ولا يهابَنّ منْ ينكر عليه؛ لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قَالَ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحجّ: ٤٠]، وَقَالَ تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: ١٠١]، وَقَالَ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩]، وَقَالَ تعالى: {أَحَسِبَ