للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ٢ - ٣].

(واعلم): أن الأجر عَلَى قدر النَّصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته، ومداهنته، وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته، توجب له حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه، ويهَديه إلى مصالح آخرته، وينقذه منْ مضارها، وصديق الإنسان ومحبه، هو منْ سعى فِي عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص فِي دنياه، وعدُوُّه منْ يسعى فِي ذهابِ، أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع فِي دنياه، وإنما كَانَ إبليس عدوا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين؛ لسعيهم فى مصالح آخرتهم، وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا، وأحبابنا، وسائر المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته، والله أعلم.

وينبغى للآمر بالمعروف، والناهى عن المنكر، أن يَرفُقَ؛ ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قَالَ الإمام الشافعيّ رضى الله عنه: منْ وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. ومما يتساهل أكثر النَّاس فيه منْ هَذَا الباب: ما إذا رأى إنسانا يبيع متاعا معيبا، أو نحوه، فإنهم لا ينكرون ذلك، ولا يُعَرِّفون المشتري بعيبه، وهذا خطأ ظاهر، وَقَدْ نص العلماء عَلَى أنه يجب عَلَى منْ عَلِم ذلك، أن ينكر عَلَى البائع، وأن يُعلم المشتري به، والله أعلم.

وأما صفة النهى، ومراتبه، فقد قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذَا الْحَدِيث الصحيح: "فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فبقلبه": معناه: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة، وتغيير منه للمنكر، ولكنه هو الذي فى وسعه، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وذلك أضعف الإيمان"، معناه -والله أعلم-: أقله ثمرة.

قَالَ القاضى عياض رحمه الله: هَذَا الْحَدِيث أصل فى صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به، قولا كَانَ أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل، ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر منْ يفعله، وينزع الغُصوب، ويردها الى أصحابها بنفسه، أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق فِي التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم الْمَخُوف شره؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك منْ أهل الصلاح والفضل؛ لهذا المعنى، ويُغلظ عَلَى المتمادى فِي غيه، والمسرف فِي بطالته، إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره؛ لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم، فإن غلب عَلَى ظنه أن تغييره بيده، يسبب منكرا أشد منه، منْ قتله، أو قتل غيره، بسببه، كَفَّ يده، واقتصر عَلَى القول باللسان، والوعظ، والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك، غَيَّر