أن يخرج إخوانهم منْ النار، فيدخوا معهم الجنة، كما يشير إلى هَذَا قوله (قَالَ:"يَقُولُونَ) أي المؤمنون (رَبَّنَا) بتقدير حرف النداء: أي يا ربّنا (إِخْوَانُنَا) خبر لمحذوف، أي هم إخواننا، أو هو مبتدأ، خبره جملة قوله:(كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، ويَحُجُّونَ مَعَنَا) أي كانوا يفعلون هذه العبادات فِي الدنيا، كما كنّا نفعلها، فليس المراد اجتماعهم عَلَى فعلها، فإنه لا يشترط ذلك (فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ)، (قَالَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ) أي الله سبحانه وتعالى (اذْهَبُوا، فَأخْرِجُوا) هذه الرواية صريحة فِي كون الإخراج للمؤمنين، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ: "أمر الملائكة أن يُخرجوهم"، وفي حديث أنس -رضي الله عنه- عنده قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيحُدّ لي حدًّا، فأخرجهم"، وُيجمع بأن الملائكة يؤمرون عَلَى ألسنة الرسل بذلك، فالذين يباشرون الإخراج هم الملائكة. قاله فِي "الفتح" ١٣/ ٢٨٤. (مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ) أي منْ إخوانكم الموصوفين بما ذكرتم (قَالَ: "فَيَأتُونَهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ) أي لأن صور مواضع سجودهم لا تتغيّر بالنار، ففي رواية الشيخين لحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- هَذَا، واللفظ للبخاريّ:"ويُحرّم الله صورهم عَلَى النار"، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "حرّم الله تعالى عَلَى النار أن تأكل أثر السجود"، وآثار السجود تكون فِي أعضائه السبعة.
(فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ)[فإن قيل]: هَذَا نصّ عَلَى أن النار قد أخذت بعض أعضاء السجود، وهو يخالف ما سبق أن الله تعالى حرّم صورهم عَلَى النار"، وفي الروية الأخرى: "حرم الله تعالى عَلَى النار أن تأكل أثر السجود"، فكيف الجواب؟.
[قلت]: أجيب بأنا نقول: تأخذ النار، فتغيّر، ولا تأكل، فتذهب، ولا يبعد أن يقال: إن تحريم الصور عَلَى النار إنما يكون فِي حقّ هذه الطائفة المشفوع لهم أوّلاً لعلوّ رتبتهم عَلَى منْ يخرج بعدهم، فتكون النار لم تقرب صورهم، ولا وجوههم بالتغيير، ولا الأكل. قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "المفهم" ١/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
وَقَالَ فِي "الفتح" عند شرح قوله: فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله عَلَى النار أن تأكل منْ ابن آدم أثر السجود": ما حاصله: هَذَا جواب عن سؤال مقدر، تقديره: كيف يعرفون أثر السجود، مع قوله فِي حديث أبي سعيد، عند مسلم:"فأماتهم الله إماتة، حَتَّى إذا كانوا فحما أذن الله بالشفاعة"، فإذا صاروا فحما كيف يتميز محل السجود منْ غيره؟ حَتَّى يُعرف أثره.
وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود، منْ عموم الأعضاء التي دل عليها هَذَا الخبر، وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود منْ المؤمن، وهل المراد بأثر السجود