للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهذا كلّه تصريحٌ بأن هذه المحبّة ليست باعتقاد تعظيم، بل ميلٌ إلى المعتقد، وتعظيمه، وتعلّق القلب به، فتأمّل هَذَا الفرق، فإنه صحيح، ومع ذلك فقد خفي عَلَى كثير منْ النَّاس.

وعلى هَذَا المعنى الحديثُ والله أعلم-: أن منْ لم يجد منْ نفسه ذلك الميل، وأرجحيّته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكمل إيمانه.

قَالَ: عَلَى أني أقول: إن كل منْ صدّق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وآمن به إيمانا صحيحا، لم يخل عن وجدان شيء منْ تلك المحبّة الراجحة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، غير أنهم فِي ذلك متفاوتون، فمنهم منْ أخذ منْ تلك المرتبة بالحظ الاوفى، كما قد اتّفق لعمر -رضي الله عنه- حَتَّى قَالَ: منْ نفسي، ولهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، حين قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: لقد كَانَ وجهك أبغض الوجوه كلّها إليّ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ … الْحَدِيث. وكما قَالَ عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: لقد رأيتني، وما أحد أحبّ إليّ منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أجلّ فِي عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه (١). ولا شكّ فِي أن حظّ أصحابه -صلى الله عليه وسلم- منْ هَذَا المعنى أعظم؛ لأن معرفتهم لقدره أعظم؛ لأن المحبّة ثمرة المعرفة، فتقوى، وتضعف بحسبها.

ومن المؤمنين منْ يكون مستغرقًا بالشهوات، محجوبا بالغفلات عن ذلك المعنى فِي أكثر أوقاته، فهذا بأخسّ الأحوال، لكنه إذا ذُكِّر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو بشيء منْ فضائله اهتاج لذكره، واشتاق لرؤيته بحيث يؤثر رؤيته، بل رؤية قبره، ومواضع آثاره عَلَى أهله، وماله، وولده، ونفسه، والناس أجمعين، فيخطُر له هَذَا، ويجده وجدانًا لا شكّ فيه، غير أنه سريع الزوال والذهاب؛ لغلبة الشهوات، وتوالي الغفلات، ويُخاف عَلَى منْ كَانَ هَذَا حاله ذهاب أصل تلك المحبّة حَتَّى لا يوجد منها حَبة. فنسأل الله تعالى الكريم أن يمُنّ علينا بدوامها، وكمالها، ولا يحجبنا عنها. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى "المفهم" ١/ ٢٢٥ - ٢٢٧. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٥٠١٦ - (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ح وَأَنْبَأَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَأَهْلِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ").


(١) رواه مسلم (١٢١).