للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُحبّ لنفسه، فقد أحب أن يكون غيره أفضل منه، وإلى هَذَا المعنى أشار الفضيل بن عياض لَمّا قَالَ لسفيان بن عيينة: إن كنت تريد أن يكون النَّاس مثلك، فما أدّيت لله الكريم النصيحة، فكيف، وأنت تودّ أنهم دونك؟. انتهى "المفهم" ١/ ٢٢٧.

(حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ) بنصب "يحب"؛ لأن "حَتَّى" جارة، و"أن" بعدها مضمرة، ولا يجوز الرفع، فتكون "حَتَّى" عاطفة، فلا يصح المعنى؛ إذ عدم الإيمان ليس سببا للمحبه.

[فإن قيل]: قوله: "لأخيه" ليس له عموم، فلا يتناول سائر المسلمين. [وأجيب]: بأن معنى قوله: "لأخيه" للمسلمين؛ تعميما للحكم، أو يكون التقدير: لأخيه منْ المسلمين، فيتناول كل أخ مسلم. قاله فِي "عمدة القاري" ١/ ١٦١.

(مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ") أي "منْ الخير" كما سيأتي فِي الرواية التالية، و"الخير": كلمة جامعة تعم الطاعات، والمباحات الدنيوية، والأخروية، وتخرج المنهيات؛ لأن اسم الخير لا يتناولها، والمحبة إرادة ما يعتقده خيرا، قَالَ النوويّ: المحبّة الميل إلى ما يوافق المحب، وَقَدْ تكون بحواسه، كحسن الصورة، أو بفعله، إما لذاته، كالفضل والكمال، وإما بإحسانه، كجلب نفع، أو دفع ضرر. انتهى ملخصا.

والمراد بالميل هنا الاختياري، دون الطبيعي، والْقَسْريّ، والمراد أيضًا أن يحب أن يحصل لأخيه نظيرُ ما يحصل له، لا عينه، سواء كَانَ فِي الأمور المحسوسة، أو المعنوية، وليس المراد أن يحصل لأخيه ما حصل له، لا مع سلبه عنه، ولا مع بقائه بعينه له، إذ قيام الجوهر، أو العرض بمحلين محال. قاله فِي "الفتح".

وَقَالَ فِي "عمدة القاري" ١/ ١٦٠ - : ما حاصله: المحبّة مطالعة المنّة منْ رؤية إحسان أخيه، وبرّه، وأياديه، ونعمه المتقدّمة التي ابتدأ بها منْ غير عمل استحقّها به، وستره عَلَى معايبه، وهذه محبّة العوامّ قد تتغيّر بتغيّر الإحسان، فإن زاد الإحسان زاد الحبّ، وإن نقصه نقصه. وأما محبّة الخواصّ، فهي تنشأ منْ مطالعة شواهد الكمال؛ لأجل الإعظام والإجلال، ومراعاة حقّ أخيه المسلم، فهذه المحبّة لا تتغيّر؛ لأنها لله تعالى، لا لأجل غرض دنيويّ. ويقال: المحبّة هاهنا هي مجرّد تمنّي الخير لأخيه المسلم، فلا يعسر ذلك إلا عَلَى القلب السقيم، غير المستقيم.

وَقَالَ القاضي عياض: المواد منْ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حَتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" أن يحب لأخيه منْ الطاعات والمباحات، وظاهره يقتضي التسوية، وحقيقته التفضيل؛ لأن كلّ واحد يحبّ أن يكون أفضل النَّاس، فإذا أحبّ لأخيه مثله، فقد دخل هو منْ جملة المفضولين، وكذلك الإنسان يحب أن ينتصف منْ حقه، ومظلمته، فإذا كانت لأخيه