كريم فعلهم، وإن كَانَ منْ شاركهم فِي معنى ذلك، مشاركا لهم فِي الفضل المذكور، كُلّ بقسطه، وَقَدْ ثبت فِي "صحيح مسلم" وهو الْحَدِيث الماضي للنسائي- عن عَلَى -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ له:"لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق"، وهذا جار باطراد فِي أعيان الصحابة؛ لتحقق مشترك الإكرام؛ لما لهم منْ حسن الغَنَاء فِي الدين. قَالَ صاحب "المفهم": وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع منْ بعضهم بغض، فذاك منْ غير هذه الجهة، بل للأمر الطاريء الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضهم عَلَى بعض بالنفاق، وإنما كَانَ حالهم فِي ذاك حال المجتهدين فِي الأحكام للمصيب أجران، وللمخطيء أجر واحد، والله أعلم. انتهى "فتح" ١/ ٩٠ - ٩١. وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أنس رضي الله تعالى عنه هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٩/ ٥٠٢١ - وأخرجه (خ) فِي "الإيمان" ١٧ (م) فِي "الإيمان" ٧٤ (أحمد) فِي "باقي مسند المكثرين" ١١٩٠٧ و١١٩٦١ و١٣١٩٥. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان علامة الإيمان، وهو أن الشخص إذا أحب الإنصار دلّ عَلَى أنه مؤمنٌ، كما نصّ عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والعكس بالعكس. (ومنها): بيان مناقب الأنصار -رضي الله عنهم-، حيث جعل الله سبحانه وتعالى حبهم شعبة منْ شعب الإيمان؛ لمبادرتهم بالاستجابة لدينه تعالى، ونصرهم رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإيوائهم له، وللمهاجرين فِي دينهم.
(ومنها): ما قاله الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: هَذَا المعنى يرجع إلى ما تقدّم منْ أن منْ أحبّ المرء لا يحبه إلا لله منْ علامات الإيمان، وأن الحبّ فِي الله منْ أوثق. عُرى الإيمان، وأنه أفضل الإيمان، فالأنصار نصروا الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فمحبّتهم منْ تمام محبّة الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ: فمحبّة أولياء الله تعالى، وأحبابه عمومًا منْ الإيمان، وهي منْ أعلى مراتبه، وبغضهم محرّم، فهو منْ خصال النفاق؛ لأنه مما لا يتظاهر به غالبًا، ومن تظاهر به فقد تظاهر بنفاقه، فهو شرّ ممن كتمه، وأخفاه، ومن كَانَ له مزيّة فِي الدين لصحبته النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو لقرابته، أو نصرته، فله مزيد خصوصيّة فِي محبّته وبغضه، ومن كَانَ منْ أهل السوابق فِي الإسلام، كالمهاجرين الأولين، فهو