للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العلامة، كما ترجم به البخاريّ، والنسائيّ، ووقع فِي "إعراب الْحَدِيث" لأبي البقاء العكبري: "إنه الإيمان" -بهمزة مكسورة، ونون مشددة، وهاء- و"الإيمان" مرفوع، وأعربه، فَقَالَ: "إن" للتأكيد، والهاء ضمير الشأن، و"الإيمان": مبتدأ، وما بعده خبر، ويكون التقدير: إن الشأن الإيمان حب الأنصار. وهذا تصحيف منه، ثم فيه نظر منْ جهة المعنى؛ لأنه يقتضي حصر الإيمان فِي حب الأنصار، وليس كذلك.

[فإن قيل]: واللفظ المشهور أيضًا يقتضي الحصر، وكذا ما أورده البخاريّ فِي "فضائل الأنصار"، منْ حديث البراء بن عازب: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن".

[فالجواب]: عن الأول: أن العلامة كالخاصة تَطَّرِد، ولا تنعكس، فإن أُخذ منْ طريق المفهوم، فهو مفهوم لقب، لا عبرة به، سلمنا الحصر، لكنه ليس حقيقيا، بل ادعائيا؛ للمبالغة، أو هو حقيقي، لكنه خاص بمن أبغضهم منْ حيث النصرة.

[والجواب]: عن الثاني: أن غايته أن لا يقع حب الأنصار إلا لمؤمن، وليس فيه نفي الإيمان عمن لم يقع منه ذلك، بل فيه أن غير المؤمن لا يحبهم.

[فإن قيل]: فعلى الشق الثاني، هل يكون منْ أبغضهم منافقا، وإن صدق وأقر؟.

[فالجواب]: أن ظاهر اللفظ يقتضيه، لكنه غير مراد، فيحمل عَلَى تقييد البغض بالجهة، فمن أبغضهم منْ جهة هذه الصفة، وهي كونهم نصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أَثر ذلك فِي تصديقه، فيصح أنه منافق، ويُقَرِّب هَذَا الحمل زيادةُ أبي نعيم فِي "المستخرج" فِي حديث البراء بن عازب: "منْ أحب الأنصار، فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم"، ويأتي مثل هَذَا فِي الحب، كما سبق، وَقَدْ أخرج مسلم منْ حديث أبي سعيد، رفعه: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"، ولأحمد منْ حديثه: "حب الأنصار إيمان، وبغضهم نفاق". ويحتمل أن يقال: إن اللفظ خرج عَلَى معنى التحذير، فلا يراد ظاهره، ومن ثَمَّ لم يقابل الإيمان بالكفر، الذي هو ضده، بل قابله بالنفاق؛ إشارة إلى أن الترغيب والترهيب، إنما خوطب به منْ يظهر الإيمان، أما منْ يظهر الكفر فلا؛ لأنه مرتكب ما هو أشد منْ ذلك.

وإنما خُصَّ الأنصار بهذه المنقبة العظمى؛ لما فازوا به دون غيرهم، منْ القبائل، منْ إيواء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن معه، والقيام بأمرهم، ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم فِي كثير منْ الأمور عَلَى أنفسهم، فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين، منْ عرب وعجم، والعداوة تجر البغض، ثم كَانَ ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد، والحسد يجر البغض، فلهذا جاء التحذير منْ بغضهم، والترغيب فِي حبهم، حَتَّى جُعل ذلك آية الإيمان والنفاق؛ تنويها بعظيم فضلهم، وتنبيها عَلَى