أسقطوا الفعل، قالوا فِي الخير: وعدته، وفي الشر أوعدته، وحكى ابن الأعرابيّ فِي "نوادره": أوعدته خيرا بالهمزة، فالمراد بالوعد فِي الْحَدِيث الوعد بالخير، وأما الشر فيستحب إخلافه، وَقَدْ يجب ما لم يترتب عَلَى ترك إنفاذه مفسدة.
وأما الكذب فِي الْحَدِيث، فحكى ابن التين عن مالك: أنه سئل عمن جرب عليه كذب، فَقَالَ: أيُّ نوع منْ الكذب؟، لعله حدث عن عيش له سلف، فبالغ فِي وصفه، فهذا لا يضر، وإنما يضر منْ حدث عن الأشياء، بخلاف ما هي عليه، قاصدا الكذب. انتهى.
(أَخْلَفَ) أي لم يفعل ما وعده (وَإِذَا عَاهَدَ) منْ المعاهدة، وهي المحالفة، والمواثقة (غدَرَ) منْ الغدر، وهو ترك الوفاء به (وَاِذَا خَاصَمَ) منْ المخاصمة، وهي المجادلة (فَجَرَ) منْ الفجور، وهو الميل عن القصد، والشقّ: أي مال عن الحقّ، وَقَالَ الباطل، أو شقّ ستر الديانة. وَقَالَ فِي "المفهم": "فجر": أي مال عن الحقّ، واحتال فِي ردّه، وإبطاله. وَقَالَ الهرويّ: أصل الفجور: الميل عن القصد، وَقَدْ يكون الكذب. انتهى.
وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث عدّه جماعة منْ العلماء مشكلا، منْ حيث إن هذه الخصال، قد توجد فِي المسلم المجمع عَلَى عدم الحكم بكفره، قَالَ، وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون: إن معناه أن هذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين، فِي هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم.
قَالَ الحافظ: ومحصل هَذَا الجواب الحملُ فِي التسمية عَلَى المجاز: أي صاحب هذه الخصال، كالمنافق، وهو بناء عَلَى المراد بالنفاق نفاق الكفر.
وَقَدْ قيل فِي الجواب عنه: إن المراد بالنفاق نفاق العمل، كما قدمناه، وهذا ارتضاه القرطبيّ، واستدل له بقول عمر لحذيفة رضي الله تعالى عنهما: هل تعلم فِيّ شيئا منْ النفاق، فإنه لم يُرد بذلك نفاق الكفر، وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيده وصفه بالخالص فِي حديث عبد الله بن عمرو بقوله:"كَانَ منافقا خالصا". وقيل: المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وأن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاه الخطّابيّ، وذكر أيضًا أنه يحتمل أن المتصف بذلك، هو منْ اعتاد ذلك، وصار له دينا، قَالَ: ويدل عليه التعبير بـ"إذا"، فإنها تدلّ عَلَى تكرر الفعل، كذا قَالَ، والأولى ما قَالَ الكيرماني: إن حذف المفعول مِن "حَدَّثَ"، يدلّ عَلَى العموم: أي إذا حدث فِي كل شيء كذب فيه، أو يصير قاصرا: أي إذا وَجَدَ ماهية التحدث كذب. وقيل: هو محمول عَلَى منْ غلبت عليه هذه الخصال، وتهاون بها، واستخفَّ بأمرها، فإنّ منْ كَانَ كذلك، كَانَ فاسد الاعتقاد غالبا.