تواردتا عَلَى الكذب فِي الْحَدِيث، والخيانة فِي الأمانة، وزاد فِي حديث أبي هريرة الخلف فِي الوعد، وفي حديث عبد الله الغدر فِي المعاهدة، والفجور فِي الخصومة.
هَذَا بالنسبة لرواية البخاريّ، وأما فِي رواية مسلم، والنسائيّ فِي حديث عبد الله بدل الغدر فِي المعاهدة الخلف فِي الوعد، كما فِي حديث أبي هريرة، فكأن بعض الرواة تصرف فِي لفظه؛ لأن معناهما قد يتحد، وعلى هَذَا فالمزيد خصلة واحدة، وهي الفجور فِي الخصومة، والفجور: الميل عن الحق، والاحتيال فِي رده، وهذا قد يندرج فِي الخصلة الأولى، وهي الكذب فِي الْحَدِيث.
ووجه الاقتصار عَلَى هذه العلامات الثلاث: أنها مُنَبِّةٌ عَلَى ما عداها؛ إذ أصل الديانة منحصر فِي ثلاث: القول، والفعل، والنية، فنبه عَلَى فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف؛ لأن خلف الوعد لا يقدح، إلا إذا كَانَ العزم عليه مقارنا للوعد، أما لو كَانَ عازما، ثم عَرَض له مانع، أو بدا له رأي، فهذا لم توجد منه صورة النفاق. قاله الغزالي فِي "الإحياء". وفي الطبراني فِي حديث طويل، ما يشهد له، ففيه منْ حديث سلمان -رضي الله عنه-: "إذا وعد، وهو يحدث نفسه أنه يخلف"، وكذا قَالَ فِي باقي الخصال، وإسناده لا بأس به، ليس فيهم منْ أُجمِع عَلَى تركه، وهو عند أبي داود، والترمذي، منْ حديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه-، مختصرًا، بلفظ:"إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي له، فلم يف، فلا إثم عليه". انتهى "فتح" ١/ ١٢٥ - ١٢٦.
(مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا) وزاد فِي رواية الشيخين: "خالصًا"(أوْ) للشكّ منْ الراوي (كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ الأَرْبَعِ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ) قَالَ فِي "القاموس": الْخصلة -أي بفتح، فسكون-: الْخَلَّة، والفضيلة، والرَّذِيلة، أو قد غلب عَلَى الفضيلة، جمع خِصال بالكسر- انتهى. والمناسب هنا: الرذيلة (حَتَّى يَدَعَهَا) أي إلى أن يترك تلك الخصلة الذميمة (إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ) أتى بـ"إذا" الدالة عَلَى تحقق الوقوع، تنبيها عَلَى أن هذه عادة المنافق.
(وَإِذَا وَعَدَ) يقال: وعده وعدًا، يستعمل فِي الخير والشرّ، ويُعدّى بنفسه، وبالباء، فيقال: وعده الخير، وبالخير، وشرًّا، وبالشرّ، وَقَدْ أسقطوا لفظ الخير والشرّ، وقالوا فِي الخير: وعده وعدًا وعِدَةً، وفي الشرّ: وعده وعيدًا، فالمصدر هو الفارق، وأوعده إيعادًا، وقالوا: أوعده خيرًا، وشرًا بالألف أيضًا، وأدخلوا الباء مع الألف فِي الشرّ خاصّةً، والخلف فِي الوعد عند العرب كذبٌ، وفي الوعيد كرمٌ، قَالَ الشاعر: