للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: لم يذكر الصيام فِي رواية المصنّف رحمه الله تعالى هنا، وفي "الأشربة"، والظاهر أنه سقط منْ بعض الرواة، وعلى سقوطه لا إشكال فِي كون الشهادة، وما بعدها تفسيرًا للأربع فِي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "آمركم بأربع"، وإنما الإشكال فِي ذكره، وهو فِي رواية الشيخين، ولفظها: "أمرهم بالإيمان بالله وحده، قَالَ: "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قَالَ: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تُعطوا منْ المغنم الخمس فقد ذكر فيها خمسة أشياء: أحدها: الشهادتان، والثاني: إقام الصلاة، والثالث: إِيتَاءُ الزكاة، والرابع صيام رمضان، والخامس: أداء الخمس. وَقَدْ سلكوا العلماء فِي جواب هَذَا الإشكال مسالك، وَقَدْ لخّصه الحافظ رحمه الله تعالى فِي "الفتح فَقَالَ:

قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: قيل: إن أول الأربع المأمور بها "إقام الصلاة"، وإنما ذكر الشهادتين تبركا بهما، كما قيل فِي قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال: ٤١]، وإلى هَذَا نحا الطيبي، فَقَالَ: عادة البلغاء أن الكلام إذا كَانَ منصوبا لغرض جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه، وهنا لم يكن الغرض فِي الإيراد ذكر الشهادتين؛ لأن القوم كانوا مؤمنين، مقرين بكلمتي الشهادة، ولكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما، كما كَانَ الأمر فِي صدر الإسلام، قَالَ: فلهذا لم يَعُدَّ الشهادتين فِي الأوامر. قيل: ولا يَرِد عَلَى هَذَا الإتيانُ بحرف العطف، فيحتاج إلى تقدير.

وَقَالَ القاضي أبو بكر بن العربي: لولا وجود حرف العطف، لقلنا: إن ذكر الشهادتين ورد عَلَى سبيل التصدير، لكن يمكن أن يُقرأ قوله: "وإقام الصلاة" بالخفض، فيكون عطفا عَلَى قوله: "أمرهم بالإيمان" والتقدير: أمرهم بالإيمان، مُصدِّرا به، وبشرطه منْ الشهادتين، وأمرهم بإقام الصلاة الخ، قَالَ: ويؤيد هَذَا حذفهما فِي رواية البخاريّ فِي "الأدب" منْ طريق أبي التياح، عن أبي جمرة، ولفظه: "أربع، وأربع: أقيموا الصلاة … الخ.

[فإن قيل]: ظاهر ما ترجم به البخاريّ منْ أن أداء الخمس منْ الإيمان، يقتضى إدخاله مع باقي الخصال، فِي تفسير الإيمان، والتقدير المذكور يخالفه، أجاب ابن رُشيد: بأن المطابقة تحصل منْ جهة أخرى، وهي أنهم سألوا عن الأعمال التي يدخلون بها الجنة، وأجيبوا بأشياء، منها: أداء الخمس، والأعمال التي تدخل الجنة، هي أعمال الأيمان، فيكون أداء الخمس منْ الإيمان بهذا التقرير.