للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رواية تابعيّ، عن تابعيّ، وفيه أحد الفقهاء السبعة عَلَى بعض الأقوال، وهو سالم، وفيه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة، وأحد المكثرين السبعة، وأحد المكثرين منْ الفتوى منْ الصحابة -رضي الله عنهم-. والله تعالى أعلم.

شرح الْحَدِيث

(عَنْ سَالِم) بن عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، مَرَّ عَلَى رَجُلٍ) ولمسلم منْ طريق معمر: "مر برجل"، و"مر" بمعنى: اجتاز يُعَدى بـ"عَلَى"، وبالباء، قَالَ الحافظ: ولم أعرف اسم هذين الرجلين: الواعظ، وأخيه. (يَعِظُ أَخَاهُ) منْ الوعظ: وهو النصح، والتذكير بالعواقب، وَقَالَ ابن فارس: هو التخويف، والإنذار. وَقَالَ الخليل بن أحمد: هو التذكير بالخير فيما يُرقّ القلب. قاله فِي "عمدة القاري" ١/ ٢٠٠ - ٢٠١.

وَقَالَ فِي "الفتح": أي يَنصَح، أو يُخَوِّف، أو يُذَكِّر، كذا شرحوه، والأولى أن يُشرح بما جاء عند البخاريّ فِي "الأدب" منْ طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن ابن شهاب، ولفظه: "يُعاتِب أخاه فِي الحياء، يقول: إنك لتستحي، حَتَّى كأنه يقول -قد أَضربك". انتهى. ويحتمل أن يكون جمع له العِتاب، والوعظ، فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الآخر، لكن المخرج مُتَّحِد، فالظاهر أنه منْ تصرف الراوي، بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الآخر. قاله فِي "الفتح" ١/ ١٠٥.

وجملة "يعظ أخاه" فِي محلّ جرّ صفة لـ"ـرجل". وقوله: (فِي الْحَيَاءِ) متعلّق بـ"يعِظ"، و"فِي" سببية، فكأن الرجل كَانَ كثير الحياء، فكان ذلك يمنعه منْ استيفاء حقوقه، فعاتبه أخوه عَلَى ذلك (فَقَالَ) له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (دَعْهُ) أي اتركه عَلَى هَذَا الخلق السَّنِيّ، ثم علّل ذلك أمره بالترك بما ذكره بالفاء التعليليّة، فَقَالَ: (فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإيمَانِ) أي وإذا كَانَ الحياء، يمنع صاحبه منْ استيفاء حق نفسه، جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق، لاسيما إذا كَانَ المتروك له مستحقا.

وَقَالَ ابن قتيبة: معناه إن الحياء يمنع صاحبه منْ ارتكاب المعاصي، كما يمنع الإيمان، فسُمّى إيمانا، كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وحاصله أن إطلاق كونه منْ الإيمان مجاز (١)، والظاهر أن الناهي ما كَانَ يعرف أن الحياء منْ مكملات الإيمان، فلهذا وقع التأكيد، وَقَدْ يكون التأكيد منْ جهة أن القضية فِي نفسها مما يهتم به، وإن لم


(١) كونه مجازًا فيه نظر؛ لأنه جزء منْ أجزاء الإيمان، وجزء الشيء لا يسمى مجازًا، وإنما هو جزء حقيقة، فتنبّه.