قَالَ الراغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو منْ خصائص الإنسان؛ ليرتدع عن ارتكاب كل ما يَشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب منْ جُبن وعفة، فلذلك لا يكون المستحي فاسقا، وقَلَّما يكون الشجاع مُسْتَحِيًا، وَقَدْ يكون لمطلق الانقباض، كما فِي بعض الصبيان. انتهى ملخصا.
وَقَالَ غيره: هو انقباض النفس، خشية ارتكاب ما يُكرَه، أعم منْ أن يكون شرعيا، أو عقليا، أو عرفيا، ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أَبْلَهُ، قَالَ: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء شعبة منْ الإيمان": أي أثر منْ آثار الإيمان. وَقَالَ الحليمي: حقيقة الحياء: خوف الذم بنسبة الشر إليه. وَقَالَ غيره: إن كَانَ فِي مُحَرَّم فهو واجب، وإن كَانَ فِي مكروه، فهو مندوب، وإن كَانَ فِي مباح، فهو العرفي، وهو المراد بقوله:"الحياء لا يأتي إلا بخير"، ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع عَلَى وفق الشرع، إثباتا ونفيا. وحُكِي عن بعض السلف: رأيت المعاصي مَذَلَّةً، فتركتها مروأة، فصارت ديانةً. وَقَدْ يتولد الحياء منْ الله تعالى منْ التقلب فِي نعمه، فيستحي العاقل أن يستعين بها عَلَى معصيته. وَقَدْ قَالَ بعض السلف: خَفِ اللهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَته عليك، واستحي منه عَلَى قَدْر قُرْبه منك. والله تعالى أعلم. قاله فِي "الفتح" ١٠٥ - ١٠٦. وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان كون الحياء شعبة منْ شعب الإيمان. (ومنها): أن فيه بيان عظم شأن الحياء، وأنه منْ أعلى الصفات الحميدة التي يتحلّى بها المؤمن، وَقَدْ ورد فِي مدحه أحاديث كثيرة، منها هَذَا الْحَدِيث، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الماضي:"والحياء شعبة منْ الإيمان"، وحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ:"الحياء لا يأتي إلا بخير"، وفي رواية عنه: