(عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضى الله عنهما) أنه (قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْقَزَعِ) -بفتح القاف والزاي، ثم المهملة-: جمع قزعة، وهي القطعة منْ السحاب، وسُمّي شعر الرأس إذا حُلِق بعضه، وترك بعضه قَزَعاً؛ تشبيها بالسحاب المتفرق. والقَزَع أن يُحلَق رأس الصبي الخ هَذَا التفسير منْ كلام نافع، كما فِي رواية مسلم، قَالَ النوويّ: الأصح أن القزع ما فسره به نافع، وهو حلق بعض رأس الصبي مطلقا، ومنهم منْ قَالَ: هو حلق مواضع متفرقة منه، والصحيح الأول؛ لأنه تفسير الراوي، وهو غير مخالف للظاهر، فوجب العمل به. قَالَ الحافظ: إلا أن تخصيصه بالصبي، ليس قيدا.
قَالَ النوويّ: وأجمع العلماء عَلَى كراهة القزع، إذا كَانَ فِي مواضع متفرقة، إلا أن يكون لمداواة، ونحوها، وهي كراهة تنزيه، وكرهه مالك فِي الجارية والغلام، مطلقا، وَقَالَ بعض أصحابه: لا بأس به فِي القُصَّة، أو القفا للغلام، ومذهبنا كراهته مطلقا، للرجل والمرأة؛ لعموم الْحَدِيث. انتهى. قَالَ الحافظ: حجته ظاهرة؛ لأنه تفسير الراوي. واختُلف فِي علة النهي؛ لكونه يُشوّه الخِلْقةَ، وقيل: زيُّ الشيطان، وقيل: زِيّ اليهود، وَقَدْ جاء هَذَا فِي رواية لأبي داود. انتهى "فتح" ١١/ ٥٥٩ - ٥٦٠.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث أبي داود المشار إليه، تقدّم أنه حديث ضعيف. والله تعالى أعلم.
وقوله:(قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي النسائيّ رحمه الله تعالى (حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) القطّان الذي سيأتي فِي ٥٨/ ٥٢٣٣ - (وَمُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ) الآتي فِي ٥٨/ ٥٢٣٢ - (أَوْلَى بِالصَّوَابِ) أي أحقّ بأن يكون صواباً منْ هذه الرواية التي خالفهما فيها الثوريّ، فأسقط عمر بن بن نافع بين عبيد الله، ونافع.
وإنما رجّح المصنّف رحمه الله تعالى روايتهما بإثباته عَلَى الإسقاط؛ لأن منْ أثبت عنده زيادة علم؛ ولاسيّما وهم حفّاظ أثبات، كثيرون، وهم يحيى بن سعيد القطّان، ومحمد بن بشر عند المصنّف، وابن جريج عند الشيخين، وابو أسامة، وعبد الله بن نمير عند مسلم، وفيهم منْ سمع عن نافع نفسه، كابن جريج.
والحاصل أن المحفوظ هو ما رواه هؤلاء الحفاظ بذكر عمر بن نافع؛ لما ذكرناه. وسيأتي مزيد بسط فِي هَذَا، فِي المسألة الثالثة، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.