شهاب، وأصحابه منْ الصبغ بالسواد عَلَى معارضة ما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منْ قوله:"جنّبوه السواد"، هَذَا شيء عجيب.
قَالَ: وَقَدْ أخرج الطبراني، وابن أبي عاصم، منْ حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه-، رفعه:"منْ خضب بالسواد، سود الله وجهه يوم القيامة"، وسنده لين.
ومنهم منْ فرق فِي ذلك بين الرجل والمرأة، فأجازه لها دون الرجل، واختاره الحليمي. انتهى "فتح" ١١/ ٥٤٧ - ٥٤٨.
وَقَالَ العلاَّمة ابن القيّم رحمه الله تعالى: والصواب أن الأحاديث فِي هَذَا الباب، لا اختلاف بينها بوجه، فإن الذي نهى عنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ تغيير الشيب أمران:[أحدهما]: نتفه. [والثاني]: خصابه بالسواد، والذي أذن فيه هو صبغه، وتغييره بغير السواد، كالحنّاء، والصفرة، وهو الذي عمله الصحابة -رضي الله عنهم-، قَالَ الحكم بن عمرو الغفاري -رضي الله عنه-: دخلت أنا، وأخي رافع عَلَى عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، وأنا مخضوبٌ بالحناء، وأخي مخضوب بالصفرة، فَقَالَ عمر -رضي الله عنه-: هَذَا خضاب الإسلام، وَقَالَ لأخي: هَذَا خضاب الإيمان.
وأما الخضاب بالسواد، فكرهه جماعة منْ أهل العلم، وهو الصواب بلا ريب؛ لما تقدّم، وقيل للإمام أحمد: تكره الخضاب بالسواد؟ قَالَ: إي والله. وهذه المسألة منْ المسائل التي حلف عليها، وَقَدْ جمعها أبو الحسن، ولأنه يتضمّن التلبيس، بخلاف الصفرة.
ورخّص فيه آخرون، منهم أصحاب أبي حنيفة، وروي ذلك عن الحسن، والحسين، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن جعفر، وعقبة بن عامر، وفي ثبوته عنهم نظر، ولو ثبت فلا قول لأحد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسنّته أحقّ بالاتّباع، ولو خالفها منْ خالفها.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد ابن القيّم رحمه الله تعالى فِي هَذَا الكلام، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب اتّباع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية [الحشر: ٧]، فالواجب عَلَى المكلّف اتباع سنته، ولا ينظر إلى خلاف منْ خالفها، وإن كَانَ منْ الأكابر، بل يعتذر عن هؤلاء الذين ذكر أنهم صبغوا بالسواد -إن ثبت عنهم- بأن النهي لم يصل إليهم، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتحير بالاعتساف، اللَّهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، آمين.
ورخّص فيه آخرون للمرأة تتزيّن به لبعلها، دون الرجل، وهذا قول إسحاق ابن