قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي ذكره النوويّ رضي الله تعالى عنه فِي جه الجمع حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم هل خضب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أم لا؟:
قَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم" رحمه الله تعالى: قَالَ القاضي: اختلف العلماء، هل خضب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أم لا؟:
فمنعه الأكثرون بحديث أنس -رضي الله عنه-، وهو مذهب مالك. وَقَالَ بعض المحدثين: خضب؛ لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أنها أخرجت لهم شعرات، منْ شعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمراً، مخضوبة بالحناء والكتم، ولحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يصبغ بالصفرة، قَالَ: وجمع بعضهم بين الأحاديث بما أشار إليه فِي حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، منْ كلام أنس -رضي الله عنه- فِي قوله: فَقَالَ: ما أدرى فِي هَذَا الذي يحدثون، إلا أن يكون شيء منْ الطيب الذي كَانَ يطيب به شعره؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يستعمل الطيب كثيرا، وهو يزيل سواد الشعر، فأشار أنس -رضي الله عنه- إلى أن تغيير ذلك ليس بصبغ، وإنما هو لضعف لون سواده بسبب الطيب، قَالَ: ويحتمل أن تلك الشعرات تغيرت بعده؛ لكثرة تَطْيِيب أم سلمة لها؛ إكراما. هَذَا آخر كلام القاضي.
قَالَ النوويّ: والمختار أنه -صلى الله عليه وسلم- صبغ فِي وقت، وتركه فِي معظم الأوقات، فأخبر كُلٌّ بما رأى، وهو صادق، وهذا التأويل كالمتعين، فحديث ابن عمر فِي "الصحيحين"، ولا يمكن تركه، ولا تأويل له، والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١٥/ ٩٥.
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى عند قول أنس -رضي الله عنه-: "لو شئت أن أعدّ شمطات كنّ فِي رأسه، فعلت": ما نصّه: ظاهره أنه لم يكن يختضب، كما قد نصّ عليه فِي بقية الْحَدِيث، وبهذا الظاهر أخذ مالك، فَقَالَ: لم يختضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإليه ذهب أبو عمر بن عبد البرّ.
وذهب بعض أصحاب الْحَدِيث إلى أنه خضَبَ، متمسّكين فِي ذلك بما رواه أبو داود، عن أبي رِمْثَة، قَالَ: انطلقت مع أبي نحو النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو ذو وفرة، وبها رَدعٌ منْ حنّاء، وعليه بُردان أخضران. وروى أبو داود أيضاً عن زيد بن أسلم أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كَانَ يصبغ لحيته بالصفرة حَتَّى تمتليء ثيابه منْ الصفرة، فَقَالَ: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها … الْحَدِيث. ويعتضد هَذَا بأمره -صلى الله عليه وسلم- بتغيير الشيب، كما قَالَ: "غيّروا هَذَا الشيب، واجتبوا السواد"، وَقَالَ: "غيّروا الشيب، ولا تشبّهوا باليهود"، وما كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يأمر بشيء إلا كَانَ أول آخذ به. ومما يعتضد به ذلك ما رواه