وصفه بالحذق؛ لترويج صناعته، والحق أنه يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال.
وسئل ابن عبد السلام عن الحروف المقطعة، فمنع منها ما لا يُعرف؛ لئلا يكون فيها كفر. انتهى "فتح" ١١/ ٣٥١ - ٣٥٤.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد اتّضح بما ذُكر منْ أقوال أهل العلم، وأدلّتهم فِي الرقَى، والتعويذات، أن ما كَانَ بأسماء الله تعالى، والمعوِّذات، والأدعية المأثورة جائزٌ، فقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث مسلم المتقدّم:"لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" موضّح لهذا المعنى، وما كَانَ بخلافه، مما ليس معروف المعنى، فلا يجوز استعماله، وهو محمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرقَى، والتمائم، والتولة شرك". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ثبت فِي "الصحيح" فِي وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم "لا يتطيّرون، ولا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربّهم يتوكّلون"، فتمسك بهذا الْحَدِيث منْ كره الرُّقَى، والكيّ، منْ بين سائر الأدوية، وزعم أنهما قادحان فِي التوكل، دون غيرهما.
وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:[أحدها]: قاله الطبري، والمازري، وطائفة: أنه محمول عَلَى منْ جانب اعتقاد الطبائعيين، فِي أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كَانَ أهل الجاهلية يعتقدون. وَقَالَ غيره الرقَى التي يحمد تركها، ما كَانَ منْ كلام الجاهلية، ومِن الذي لا يُعقل معناه؛ لاحتمال أن يكون كفرا، بخلاف الرقَى بالذكر ونحوه.
وتعقبه عياض وغيره، بأن الْحَدِيث يدلّ عَلَى أن للسبعين ألفا مزية عَلَى غيرهم، وفضيلة، انفردوا بها عمن شاركهم فِي أصل الفضل، والديانة، ومن كَانَ يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها، أو يستعمل رُقَى الجاهلية ونحوها، فليس مسلما، فلم يُسلّم هَذَا الجواب.
[ثانيها]: قَالَ الداودي، وطائفة: إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك فِي الصحة؛ خشية وقوع الداء، وأما منْ يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا، وَقَدْ قَالَ بهذا ابن قتيبة وغيره، وهذا اختيار ابن عبد البرّ، غير أنه معترض بما ثبت منْ الاستعاذة قبل وقوع الداء. [ثالثها]: قَالَ الحليمي: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين فِي الْحَدِيث، منْ غفل عن أحوال الدنيا، وما فيها منْ الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء، ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء، والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الأطباء، ورُقَى الرُّقَاة، ولا يحسنون منْ ذلك شيئا. والله أعلم.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا أقرب الأجوبة عندي، والله تعالى أعلم.