فِي ظهر الجمل، شبّه رءوسهن بها؛ لما رفعن منْ ضفائر شعورهن، عَلَى أوساط رءوسهن، تزيينا وتصنعا، وَقَدْ يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن. انتهى.
(ومنها): ما قاله فِي "الفتح" ١١/ ٥٧٤: وفي هذه الأحاديث -أي أحاديث النهي عن الوصل، والوشم- حجة لمن قَالَ: يحرم الوصل فِي الشعر، والوشم، والنمص عَلَى الفاعل، والمفعول به، وهي حجة عَلَى منْ حمل النهي فيه عَلَى التنزيه؛ لأن دلالة اللعن عَلَى التحريم، منْ أقوى الدلالات، بل عند بعضهم أنه منْ علامات الكبيرة، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها -يعني الآتي بعد باب- دلالة عَلَى بطلان ما رُوي عنها أنها رخصت فِي وصل الشعر بالشعر، وقالت: إن المراد بالواصل المرأة تفجُر فِي شبابها، ثم تصل ذلك بالقيادة، وَقَدْ ردّ ذلك الطبري، وأبطله بما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها فِي قصة المرأة المذكورة فِي الباب الثالث. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي وصل الشعر:
ذهب الجمهور إلى تحريم الوصل مطلقاً، قَالَ فِي "الفتح" ١١/ ٥٧١ - ٥٧٢: وهذا الْحَدِيث حجة للجمهور فِي منع وصل الشعر بشيء آخر، سواء كَانَ شعرا أم لا، ويؤيده حديث جابر -رضي الله عنه- زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن تصل المرأة بشعرها شيئًا، أخرجه مسلم.
وذهب الليث، ونقله أبو عبيدة عن كثير منْ الفقهاء، أن الممتنع منْ ذلك وصل الشعر بالشعر، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر، منْ خرقة وغيرها، فلا يدخل فِي النهي، وأخرج أبو داود بسند صحيح، عن سعيد بن جبير، قَالَ: لا بأس بالقرامل، وبه قَالَ أحمد، و"القوامل": جمع قَرْمل -بفتح القاف، وسكون الراء-: نبات طويل الفروع، لين، والمراد به هنا خيوط منْ حرير، أو صوف يُعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها.
وفصل بعضهم بين ما إذا كَانَ ما وُصل به الشعر، منْ غير الشعر مستورا، بعد عقده مع الشعر، بحيث يُظَنّ أنه منْ الشعر، وبين ما إذا كَانَ ظاهرا، فمنع الأول قوم فقط؛ لما فيه منْ التدليس، وهو قوي.
ومنهم منْ أجاز الوصل مطلقا، سواء كَانَ بشعر آخر، أو بغير شعر، إذا كَانَ بعلم الزوج، وبإذنه، وأحاديث الباب حجة عليه. انتهى "فتح" ١١/ ٥٧١ - ٥٧٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ هو ما عليه الجمهور منْ تحريم الوصل مطلقاً، سواء كَانَ بشعر، أم بغيره، إلا للضرورة؛ للأحاديث الصحيحة بذلك، كما سبق بيانها، ومنها حديث معاوية -رضي الله عنه- المتقدّم فِي قصّة الخرقة، ومنها ما أخرجه مسلم فِي "صحيحه" منْ حديث جابر -رضي الله عنه-: "زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تصل المرأة بشعرها شيئًا".