(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) رضي الله تعالى عنهما، أنه (قَالَ:"لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) ذكر السنديّ رحمه الله تعالى فِي "شرحه" ٨/ ١٤٥ - ١٤٦: ما حاصله: أن هَذَا اللعن، وأمثاله إخبار بأن الله تعالى لعن هؤلاء، لا دعاء منه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يُبعث لعّاناً، وَقَدْ قَالَ: "المؤمن لا يكون لعّاناً". قَالَ: وورد لعن الشيطان وغيره، فالظاهر أن اللعن عَلَى منْ يستحقّه عَلَى قلة لا يضرّ، فلذلك قيل: لم يبعث لعّاناً، بصيغة المبالغة، ووجه اللعن ما فيه منْ تغيير الخلق بتكلّف، ومثله قد حزم الشارع، فيمكن توجيه اللعن إلى فاعله، بخلاف التغيير بالخضاب، ونحوه، مما لم يحرّمه الشارع؛ لعدم التكلّف فيه. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: استدلاله بكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يبعث لعانا، وكون المؤمن لا يكون لعانًا عَلَى ما ذكره فيه نظر؛ لأن هَذَا فيمن لا يستحقّ، وأما المستحقّ، كالكافر، والظالم، ومرتكب بعض الكبائر، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كَانَ كثيرًا ما يلعنهم، قَالَ الله عز وجل:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} كما كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يدعو فِي قنوته كثيرًا: "اللَّهم العن فلانا، وفلانا"، وغير ذلك، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
(الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) تقدّم تفسيرهما فِي الباب الماضي، ولفظ "الكبرى": والموصَلة"(وَالْوَاشِمَةَ) بالشين المعجمة: هي التي تَشِمُ (والْمُوتَشِمَةَ") ولفظ "الكبرى": "والموشَمة". وهي التي تطلب الوشم، ونقل ابن التين، عن الداودي، أنه قَالَ: الواشمة التي يُفعل بها الوشم، والمستوشمة: التي تفعله، ورد عليه ذلك وفي رواية عند البخاريّ بلفظ: "المستوشمات": وهو بكسر الشين: التي تَفعل ذلك، وبفتحها التي تطلب ذلك، ولمسلم بلفظ: "والموشومات": وهي منْ يُفعل بها الوشم.
قَالَ أهل اللغة: "الوشم" -بفتح، ثم سكون-: أن يُغرز فِي العضو إبرة، أو نحوها، حَتَّى يسيل الدم، ثم يُحشَى بنُورة، أو غيرها، فيخضر. وَقَالَ أبو داود فِي "السنن": "الواشمة": التي تجعل الْخِيلان فِي وجهها بكحل، أو مداد، و"المستوشمة": المعمول بها. انتهى. وذِكرُ الوجه للغالب، وأكثر ما يكون فِي الشفة. وعن نافع: أنه يكون فِي اللِّثَة، فذِكرُ الوجه، ليس قيدًا، وَقَدْ يكون فِي اليد وغيرها منْ الجسد، وَقَدْ يفعل ذلك نَقْشاً، وَقَدْ يُجعل دوائر، وَقَدْ يُكتب اسم المحبوب، وتعاطيه حرام؛ بدلالة اللعن، كما فِي حديث الباب، ويصير الموضع الموشوم نجساً؛ لأن الدم انحبس فيه، فتجب إزالته