محلاً (تَحَلَّتْ ذَهَبًا) الظاهر أن "ذهبًا" منصوب بنزع الخافظ؛ لأن تحلّى لازم، يقال: تحلّت المرأة: لبست الْحُليّ، أو اتخذته، وحلْيتها بالتشديد: ألبستها الْحُليّ، أو اتّخذتُهُ لها لتلبسه. قاله الفيّوميّ. والجملة فِي محلّ رفع صفة لـ"امراة"(تُظْهِرُهُ) بضمّ أوله، منْ الإظهار: أي تظهره للناس افتخاراً (إِلاَّ عُذِّبَتْ بِهِ) أي بسبب ذلك الذهب الذي أظهرته للناس افتخارًا، وهذا هو محل الترجمة للمصنّف، فإنه رحمه الله تعالى يرى أن الأحاديث الواردة فِي نهي المرأة عن التحلّي بالذهب محمول عَلَى منْ أظهرته افتخارًا، وهذا أحد المحامل التي ذكرها العلماء فِي الباب، كما سيأتي تحقّيقه قريباً، إن شاء الله تعالى.
وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى فِي "شرحه" ٨/ ١٥٧: يحتمل أن تكون الكراهة إذا أظهرته، وافتخرت به، لكن الفضّة مثلُ الذهب فِي ذلك، فالظاهر أن هَذَا لزيادة التقبيح، والتوبيخ، والكلام لإفادة حرمة الذهب عَلَى النِّساء، مع قطع النظر عن الإظهار، والافتخار، ويؤيّده الرواية الآتية، لكن المشهور جواز الذهب للنساء، ولذلك قَالَ السيوطيّ: هَذَا منسوخ بحديث: "إن هذين حرام عَلَى ذكور أمتي، حِلّ لإناثها"، قَالَ ابن شاهين فِي "ناسخه": كَانَ فِي أول الأمر يلبس الرجال خواتيم الذهب، وغير ذلك، وكان الحظر قد وقع عَلَى النَّاس كلهم، ثم أباحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للنساء دون الرجال، فصار ما كَانَ عَلَى النِّساء منْ الحظر مباحاً لهنّ، فنَسَخَت الإباحةُ الحظرّ. وحكى النوويّ فِي "شرح مسلم" إجماع المسلمين عَلَى ذلك. قَالَ السنديّ: ولولا الإجماع لكان الظاهر أن يقال: أوّلاً كَانَ الذهب حلالاً للكلّ، ثم حُرّم عَلَى الرجال فقط، ثم حرّم عَلَى النِّساء أيضًا، وقول ابن شاهين: إنه كَانَ أوّلاً حلالاً للكلّ، ثم أبيح للنساء دون الرجال باعتبار النسخ مرّتين، مع أن العلماء عَلَى أنه إذا دار الأمر بين نسخ واحد ونسخين لا يُحكم بنسخين، فإن الأصل عدم النسخ، فتقليله أليق بالأصل، لكن الإجماع هاهنا داع إلى اعتبار النسخين. والله تعالى أعلم. انتهى كلام السنديّ رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أخت حذيفة رضي الله تعالى عنهما هَذَا ضعيفٌ؛ لجهالة امرأة رِبْعيّ.