[أحدهما]: أن يكون ذلك القول المحكيّ عن فلان، أو الفعل المحكيّ عنه بالقول مما يُمكن أن يكون الراوي قد شهده، وسمعه منه، فهذا حكمه حكم قول الراوي: قَالَ فلان كذا، أو فعل فلان كذا.
[القسم الثاني]: أن يكون ذلك القول المحكيّ عن المرويّ عنه، أو الفعل مما لا يمكن أن يكون قد شهده الراوي، مثل أن لا يكون قد أدرك زمانه، كقول عروة: إن عائشة قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا، فهل هو مرسلٌ؛ لعدم الإتيان بما يبيّن أنه رواه عن عائشة، أم هو متِّصلٌ؛ لأن عروة قد عُرِف بالرواية عن عائشة، فالظاهر أنه سمع ذلك منها، هَذَا فيه خلاف. قَالَ أبو داود: سمعت أبا عبد الله -يعني أحمد- قَالَ: كَانَ مالكٌ زعموا أنه يَرى "عن فلان"، و"أن فلانًا" سواء، وذكر أحمد مثل حديث جابر -رضي الله عنه- أن سُليكا -رضي الله عنه- جاء، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، وعن جابر، عن سُليك أنه جاء، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، قَالَ: وسمعت أحمد قيل له: إنّ رجلاً قَالَ: "عن عروة قالت عائشة: يا رسول الله"، و"عن عروة، عن عائشة" سواء، قَالَ: كيف هَذَا سواء؟، ليس هَذَا بسواء، فذكر أحمد القسمين اللذين أشرنا إليهما.
فأما رواية جابر أن سُليكًا جاء، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، وروايته عن سُليك أنه جاء، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فهذا منْ القسم الأول؛ لأنه يمكن أن يكون جابر شهد ذلك، وحضره، ويمكن أن يكون رواه عن سُليك، ومثلُ هَذَا كثير فِي الْحَدِيث، مثلُ رواية ابن عمر أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعمر: كذا وكذا فِي أحاديث متعدّدة، ورُوي بعضها عن ابن عمر، عن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فمن رواه عن ابن عمر أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعمر، جعله منْ مسند ابن عمر، ومن رواه عن ابن عمر، عن عمر، جعله منْ مسند عمر، ولكن كَانَ القدماء كثيرًا ما يقولون:"عن فلان"، ويُريدون الحكاية عن قصّته، والتحديث عن شأنه، لا يقصدون الرواية عنه. وَقَدْ حكى الدارقطنيّ، عن موسى بن هارون الحافظ، أن المتقدّمين كانوا يفعلون ذلك.
وأما إذا رَوَى الزهريّ، عن سعيد بن المسيّب مثلاً، ثم قَالَ مرّةً: إن سعيد بن المسيّب قَالَ، فهذا محمولٌ عَلَى الرواية عنه، دون الانقطاع، ولعلّ هَذَا هو مراد مالك الذي حكاه أحمد عنه، ولم يُخالفه، وَقَدْ حكى ابن عبد البرّ هَذَا القول عن جمهور العلماء، وحَكَى عن البرديجيّ خلاف ذلك، وأنه قَالَ: هو محمولٌ عَلَى الانقطاع، إلا أن يُعلم اتّصاله منْ وجه آخر، وَقَالَ: لا وجه لذلك، ولم يذكر لفظ البرديجيّ، فلعله قَالَ ذلك فِي القسم الثاني، كما سنذكره.
وأما رواية عروة، عن عائشة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعروة أن عائشة قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فهذا