فيه جواز خاتم الفضّة، قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: وَقَدْ أجمع المسلمون عَلَى جواز خاتم الفضّة للرجال، وكره بعض علماء الشام المتقدّمين لبسه لغير ذي سلطان، ورووا فيه أثرًا، وهذا شاذّ مردود. وَقَالَ الخطابيّ: ويكره للنساء خاتم الفضّة؛ لأنه منْ شعار الرجال، قَالَ: فإن لم تجد خاتم ذهب، فلتُصفّره بزعفران، وشبهه. قَالَ النوويّ: وهذا الذي قاله ضعيفٌ، أو باطلٌ، لا أصل له، والصواب أنه لا كراهة فِي لبسها خاتم الفضّة. انتهى "شرح مسلم" ١٤/ ٦٧.
(ومنها): أن فيه الردّ عَلَى منْ يزعم منْ الأصوليين أن أفعاله -صلى الله عليه وسلم- تنقسم إلى عبادة، وعادة، فيقصرون الاتّباع عَلَى القسم الأول، دون الثاني، وهي قسمة ضيزى، ما أنزل الله بها منْ سلطان، فقد كَانَ الصحابة -رضي الله عنهم- حريصين عَلَى اتّباعه -صلى الله عليه وسلم- فِي جميع ما يصدر عنه منْ العبادة، والعادة، فهذا أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: إن خياطا دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لطعام صنعه، قَالَ: فذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبزا، ومرقا فيه دُبّاء وقديد، فرأيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يتتبع الدباء منْ حوالي القصعة، قَالَ: فلم أزل أحب الدباء منْ يومئذ. متّفقٌ عليه، وهذا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما يقول: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ذات يوم، إلى منزله، فأخرج إليه فلقا منْ خبز، فَقَالَ:"ما منْ أدم؟ " فقالوا: لا إلا شيء منْ خل، قَالَ:"فإن الخل نعم الأدم"، قَالَ جابر: فما زلت أحب الخل، منذ سمعتها منْ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وقَالَ طلحة -الراوي عن جابر-: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها منْ جابر. رواه مسلم. وهؤلاء أصحابه الكرام لَمّا اتخذ -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا منْ ذهب، اتخذوا كلهم خواتم منْ ذهب، ولَمّا رماه، رموه، ثم لَمّا اتخذ خاتما منْ فضّة، اتخذوا كلهم خواتم منْ فضّة، ولقد أجاد الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، حيث ترجم بقوله:"باب الاقتداء بأفعال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-"، ثم أورد فيه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فِي قصّة الخاتم، المذكور فِي هَذَا الباب.
وَقَالَ فِي "الفتح": والأصل فِي ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، وَقَدْ ذهب جمع إلى وجوبه؛ لدخوله فِي عموم الأمر بقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}[الحشر: ٧]، وبقوله:{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: ٣١]، وبقوله تعالى:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]، فيجب اتباعه فِي فعله، كما يجب فِي قوله، حَتَّى يقوم دليل عَلَى الندب، أو الخصوصية. وَقَالَ آخرون: يحتمل الوجوب، والندب، والإباحة، فيحتاج إلى القرينة، والجمهور للندب