للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إذا ظهر وجه القربة، وقيل: ولو لم يظهر، وهو الحقّ، ومنهم منْ فصل بين التكرار وعدمه. وَقَالَ آخرون ما يفعله -صلى الله عليه وسلم-، إن كَانَ بيانا لمجمل، فحكمه حكم ذلك المجمل، وجوبا، أو ندبا، أو إباحة، فإن ظهر وجه القربة فللندب، وما لم يظهر فيه وجه التقرب فللإباحة، وأما تقريره عَلَى ما يفعل بحضرته، فيدل عَلَى الجواز.

والمسألة مبسوطة فِي أصول الفقه، ويتعلق بها تعارض قوله وفعله، ويتفرع منْ ذلك حكم الخصائص، وَقَدْ أفردت بالتصنيف، ولشيخ شيوخنا الحافظ صلاح الدين العلائي فيه مصنف جليل، وحاصل ما ذكر فيه ثلاثة أقوال: [أحدها]: يُقَدَّم القول؛ لأن له صيغة تتضمن المعاني، بخلاف الفعل. [ثانيها]: الفعل لأنه لا يطرقه منْ الاحتمال ما يطرق القول. [ثالثها]: يفزع إلى الترجيح، وكل ذلك محله ما لم تقم قرينة، تدلّ عَلَى الخصوصية.

وذهب الجمهور إلى الأول، والحجة له أن القول يعبر به عن المحسوس والمعقول، بخلاف الفعل، فيختص بالمحسوس، فكان القول أتم، وبأن القول متَّفقٌ عَلَى أنه دليل، بخلاف الفعل، ولأن القول يدلّ بنفسه، بخلاف الفعل فيحتاج إلى واسطة، وبأن تقديم الفعل يفضي إلى ترك العمل بالقول، والعمل بالقول يمكن معه العمل بما دل عليه الفعل، فكان القول أرجح بهذه الاعتبارات.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي القول الثالث هو الأرجح؛ بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم-، وهم أعلم النَّاس بمقاصد الشريعة كانوا إذا احتجّ بعضهم بالقول عارضه الآخر بالفعل، وهذا دليلٌ عَلَى أن القول والفعل فِي درجة واحدة لا ترجيح لأحدهما عَلَى الآخر إلا بمرجّح، فهذا ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما سمع أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أجرة الحجام، قَالَ: احتجم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الحجّام أجره، ولو كَانَ حرامًا ما أعطاه، متَّفقٌ عليه، وهذا عليّ -رضي الله عنه- لما سمع كراهية الشرب منْ قيام، توضأ، ثم شرب قائمًا، فَقَالَ: هكذا رأيته -صلى الله عليه وسلم- يفعل، إلى غير ذلك مما كانوا يحتجون به منْ أفعاله -صلى الله عليه وسلم-.

قَالَ ابن بطال رحمه الله تعالى، بعد أن حكى الاختلاف فِي أفعاله عليه الصلاة والسلام، محتجا لمن قَالَ بالوجوب بحديث الباب؛ لأنه خلع خاتمه، فخلعوا خواتمهم، ونزع نعله فِي الصلاة، فنزعوا، ولما أمرهم عام الحديبية بالتحلل، وتأخروا عن المبادرة، رجاء أن يأذن لهم فِي القتال، وأن ينصروا، فيكملوا عمرتهم، قالت له أم سلمة رضي الله تعالى عنها: اخرج إليهم، واحلِق، واذبح، ففعل، فتابعوه مسرعين،