للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجمع غيره بأنه لبس الخاتم أولا فِي يمينه، ثم حوله إلى يساره، واستدل له بما أخرجه أبو الشيخ، وابن عدي، منْ رواية عبد الله بن عطاء، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، تختم فِي يمينه، ثم إنه حَوّله فِي يساره، فلو صح هَذَا لكان قاطعا للنزاع، ولكن سنده ضعيف. وأخرج ابن سعد منْ طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، قَالَ: طرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتمه الذهب، ثم تختم خاتما منْ ورق، فجعله فِي يساره، وهذا مرسل، أو معضل.

وَقَدْ جمع البغوي فِي "شرح السنة" بذلك، وأنه تختم أولا فِي يمينه، ثم تختم فِي يساره، وكان ذلك آخر الأمرين. وَقَالَ ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة، عن اختلاف الأحاديث فِي ذلك، فَقَالَ: لا يثبت هَذَا، ولا هَذَا، ولكن فِي يمينه أكثر، وَقَدْ تقدّم قول البخاريّ: إن حديث عبد الله بن جعفر أصح شيء ورد فيه، وصرح فيه بالتختم فِي اليمين.

وفي المسألة عند الشافعيّة اختلاف، والأصح اليمين، قَالَ الحافظ: ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كَانَ اللبس للتزين به، فاليمين أفضل، وإن كَانَ للتختم به فاليسار أولى، لأنه كالمودع فيها، ويحصل تناوله منها باليمين، وكذا وضعه فيها، ويترجح التختم فِي اليمين مطلقا؛ لأن اليسار آلة الاستنجاء، فيصان الخاتم إذا كَانَ فِي اليمين عن أن تصيبه النجاسة، وترجح التختم فِي اليسار بما أشرت إليه منْ التناول، وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود، حيث ترجم باب التختم فِي اليمين واليسار، ثم أورد الأحاديث مع اختلافها فِي ذلك، بغير ترجيح، ونقل النوويّ وغيره الإجماع عَلَى الجواز، ثم قَالَ: ولا كراهة فيه يعني عند الشافعيّة -وإنما الاختلاف فِي الأفضل. وَقَالَ البغوي: كَانَ آخر الأمرين التختم فِي اليسار، وتعقبه الطبري بأن ظاهره النسخ، وليس ذلك مراده، بل الإخبار بالواقع اتفاقا، والذي يظهر أن الحكمة فيه ما تقدّم، والله أعلم. انتهى ما فِي "الفتح" ١١/ ٥١٣ - ٥١٥.

وَقَالَ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى فِي "سننه": "باب ما جاء فِي التختم فِي اليمين أو اليسار".

قَالَ صاحب "عون المعبود": أعلم أنه قد ثبتت الأحاديث فِي التختم فِي اليمين واليسار، فاختلف العلماء فِي وجه الجمع، فجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود بترجمة بابه، ثم إيراد الأحاديث مع اختلافها فِي ذلك بغير ترجيح.