للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فُشُوّا، منْ باب قعد: ظهر، وانتشر (خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ) يعني أن الصحابة -رضي الله عنهم- لما رأوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبس خاتم الذهب اقتدوا به فيه، وهذا يدلّ عَلَى مبادرتهم -رضي الله عنهم- إلى متابعته -صلى الله عليه وسلم- فِي كلّ ما يفعله، حَتَّى يتبيّن لهم اختصاصه به (فَرَمَى بِهِ) أي لأنه أُوحي إليه بتحريم لبسه (فَلَا نَدْرِي مَا فَعَلَ) أي لا نعلم أيَّ شيء فعل بذلك الخاتم الذي رمى به (ثُمَّ أَمَرَ بِخَاتَمٍ) أي بصنع خاتم (مِنْ فِضَّةٍ) بدل الذهب المرميّ (فَأَمَرَ أَنْ يُنْقَشَ فِيهِ) بالبناء للمفعول، وقوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) نائب الفاعل، محكي لقصد لفظه (وَكَانَ) ذلك الخاتم (فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى مَاتَ وَفِي يَدِ أَبِى بَكْرٍ) الصديق -رضي الله عنه- فِي أيام خلافته (حَتَّى مَاتَ) هَذَا دليلٌ عَلَى أن ماله -صلى الله عليه وسلم- ليس بموروث، بل يتنتفع به المسلمون، فلخليفته أن ينتفع منه بقدر حاجته (وفِي يَدِ عُمَرَ) بن الخطّاب -رضي الله عنه- فِي أيام خلافته (حَتَّى مَاتَ، وفِي يَدِ عُثْمَانَ) بن عفّان -رضي الله عنه- (سِتَّ سِنِينَ مِنْ عَمَلِهِ) أراد به عمل الخلافة (فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ) أي الكتب المحتاجة إلى الختم (دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ) أي ليساعده فِي الختم (فَكَانَ) الأنصاريّ يَخْتِمُ بِهِ (فَخَرَجَ الأَنْصَارِيُّ إِلَى قَلِيبٍ) بفتح القاف، وكسر اللام: هي البئر، وهو مذكّر، قَالَ الأزهريّ: القليب عند العرب: البئر العاديّة القديمة، مطويّةً كانت، أو غير مطويّة، والجمع قُلُبٌ، مثلُ برِيد وبُرُد (لِعُثْمَان) متعلّق بصفة لـ"قليب" (فَسَقَطَ) أي ذلك الخاتم فِي ذلك البئر، قيل: ثم انتقض عليه الأمر، وكان ذلك مبدأ الفتنة إلى قيام الساعة، ومنه أخذ أن خاتمه -صلى الله عليه وسلم- كَانَ فيه سرّ غريب، كخاتم سليمان عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم. قاله السنديّ (فَالْتُمِسَ) بالبناء للمفعول: أي طُلب (فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَمَرَ بِخَاتَمٍ مِثْلِهِ) أي أمر عثمان -رضي الله عنه- بصنع خاتم مثل خاتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) عطف عَلَى مقدّر: أي فصُنع له، ونقش عليه هذه الجملة؛ اقتداء. قَالَ السيوطيّ رحمه الله تعالى فِي "حاشية أبي داود": كأنه فَهِم أن النهي مخصوص بحياته -صلى الله عليه وسلم-؛ لزوال المحذور، وهو وقوع الاشتراك، ونظره قول منْ خصّص النهي عن التكنّي بكنيته أيضاً، والمختار فِي الحديثين إطلاق النهي. قَالَ السنديّ: والظاهر أنه فهِم خصوصه مدّة بقاء الخاتم، والأقرب أنه فهم منْ النهي أن المقصود به أن لا تتعدّد الخواتم عَلَى نقش واحد فيما إذا كَانَ الخاتم مقصوداً صونُ نقشه عن الاشتراك، كخواتم الحكام، والأظهر منه أنه فهِم الإطلاق إلا أنه رأى أن خاتمه الجديد نائب عن الخاتم القديم، وللنائب حكم الأصل، فنَقْلُ نقشه إليه لا يُخلّ بإطلاق النهي. والله تعالى أعلم. انتهى "شرح السنديّ" ٨/ ١٧٩ - ١٨٠.

[تنبيه]: هذه الرواية تخالف ما سيأتي له منْ طريق محمد بن بشر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قَالَ: اتخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خاتما منْ ذهب، وجعل فصه مما يلي