الحرير، بدليل قوله:"فلبسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، لكن قد عرفت أن الظاهر أنه غير محفوظ؛ لأنه ثبت فِي "الصحيحين"، فى نفس الْحَدِيث قول أنس -رضي الله عنه-: "وكان ينهى عن الحرير"، فهو صريح فِي كونه بعد التحريم، لا قبله، فقوله:"فلبسه الخ" شاذّ، فتأمّل.
(ومنها): أن فيه إشارةً إلى عظيم منزلة سعد -رضي الله عنه- فِي الجنّة، وأن أدنى ثيابه فيها خير منْ حرير الدنيا؛ لأن المنديل أدنى الثياب؛ لأنه معدّ للوسخ، والامتهان، فغيره أفضل. (ومنها): أن فيه إثبات الجنّة لسعد -رضي الله عنه-. (ومنها): أن فيه جوازَ قبول هديّة المشرك، وَقَدْ ترجم الإمام البخاريّ فِي "كتاب الهبة" منْ "صحيحه": "قبول هديّة المشرك":
قَالَ فِي "الفتح": قوله: "باب قبول الهدية منْ المشركين": أي جواز ذلك، وكأنه أشار إلى ضعف الْحَدِيث الوارد فِي رد هدية المشرك، وهو ما أخرجه موسى بن عقبة فِي "المغازي" عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ورجال منْ أهل العلم: أن عامر بن مالك الذي يُدْعَى مُلاعِب الأسِنَّة، قدم عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو مشرك، فأهدى له، فَقَالَ:"إني لا أقبل هدية مشرك … " الْحَدِيث، ورجاله ثقات، إلا أنه مرسل، وَقَدْ وصله بعضهم عن الزهريّ، ولا يصح، وفي الباب حديث عياض بن حمار، أخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، منْ طريق قتادة، عن يزيد بن عبد الله، عن عياض، قَالَ: أهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ناقة، فَقَالَ:"أسلمت؟ " قلت: لا، قَالَ:"إني نهُيت عن زَبْد المشركين"، و"الزبد" -بفتح الزاي، وسكون الموحدة- الرِّفْدُ، صححه الترمذيّ، وابن خزيمة.
وأورد البخاريّ فِي الباب عدة أحاديث، دالة عَلَى الجواز.
فجمع بينها الطبري، بأن الامتناع فيما أُهدي له خاصة، والقبول فيما أُهدي للمسلمين، وتعقّبه الحافظ بأن منْ جملة أدلة الجواز، ما وقعت الهدية فيه له خاصة. وجمع غيره بأن الامتناع فِي حق منْ يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول فِي حق منْ يُرجى بذلك تأنيسه، وتأليفه عَلَى الإسلام، وهذا أقوى منْ الأول. وقيل: يُحمل القبول عَلَى منْ كَانَ منْ أهل الكتاب، والرد عَلَى منْ كَانَ منْ أهل الأوثان. وقيل: يمتنع ذلك لغيره منْ الأمراء، وأن ذلك منْ خصائصه. ومنهم منْ ادَّعَى نسخ المنع، بأحاديث القبول. ومنهم منْ عكس. وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولا التخصيص. انتهى "فتح" ٥/ ٥٥١ فِي "كتاب الهبة" رقم ٢٦١٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".