للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإلا فالحديث حجة عليهم، فلعلهم لم يبلغهم، قَالَ النوويّ: وَقَدْ نُقل مثلُ ذلك عن مالك، وهو مذهب مردود، وكذا مذهب منْ أجاز بغير تقدير. والله أعلم. (ومنها): أنه استُدِلّ به عَلَى جواز لبس الثوب الْمُطرَّز بالحرير، وهو ما جُعل عليه طراز حرير مركب، وكذلك الْمُطْرَف، وهو ما سُجفت أطرافه بسجف منْ حرير بالتقدير المذكور، وَقَدْ يكون التطريز فِي نفمس الثوب، بعد النسج. (ومنها): أنه استُدِلّ به أيضًا عَلَى جواز لبس الثوب الذي يخالطه منْ الحرير مقدار العلم، سواء كَانَ ذلك القدر مجموعا، أو مفرقا، وهو قوي. ذكره فِي "الفتح" ١١/ ٤٧٠ - ٤٧١.

(المسألة الرابعة): فِي قوله: "جاءنا كتاب عمر -رضي الله عنه-" دلالة عَلَى أنهم كانوا يعملون بالمكاتبة، وَقَدْ سبق أن الدارقطنيّ نبّه عَلَى أن هَذَا الْحَدِيث أصل فِي جواز الرواية بالكتابة عند الشيخين، قَالَ ذلك بعد أن استدرك عليهما، وفي ذلك رجوع منه عن الاستدراك عليهما. أفاده فِي "الفتح" ١١/ ٤٦٤.

وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث مما استدركه الدارقطنيّ (١) عَلَى البخاريّ ومسلم، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيث لم يسمعه أبو عثمان منْ عمر -رضي الله عنه-، بل أخبر عن كتاب عمر، وهذا الاستدراك باطلٌ، فإن الصحيح الذي عليه جماهير المحدثين، ومحقّقوا الفقهاء، والأصوليين جواز العمل بالكتاب، وروايته عن الكاتب، سواء قَالَ فِي الكتاب أذِنت له فِي رواية هَذَا عنّي، أو أجزتك روايته عنّي، أو لم يقُل شيئًا، وَقَدْ أكثر البخاريّ، ومسلم، وسائر المحدّثين، والمصنّفين فِي تصانيفهم منْ الاحتجاج بالمكاتبة، فيقول الراوي منهم، وممن قبلهم كتب إليّ فلان كذا، أو كتب إليّ فلان، قَالَ: حدّثنا فلان، أو أخبرني فلان مكاتبة، والمراد به هَذَا الذي نحن فيه، وذلك معمول به عندهم، معدود فِي المتّصل لإشعاره بمعنى الإجازة، وزاد السمعانيّ، فَقَالَ: هي أقوى منْ الإجازة، ودليلهم فِي المسألة الأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يكتب إلى عُمّاله، ونوّابه، وأمرائه، ويفعلون ما فيها، وكذلك الخلفاء، ومن ذلك كتاب عمر -رضي الله عنه- هَذَا، فإنه كتبه إلى جيشه، وفيه خلائق منْ الصحابة، فدلّ عَلَى حصول الاتفاق منه، وممن عنده فِي المدينة، ومن فِي الجيش عَلَى العمل بالكتاب. والله أعلم.

وأما قول أبي عثمان كتب إلينا عمر، فهكذا ينبغي للراوي بالمكاتبة أن يقول: كتب إلي فلان، قَالَ: حدّثنا، أو أخبرنا فلانٌ، مكاتبةً، أو فِي كتابه، أو فيما كتب به إليّ،


(١) ما سبق عن "الفتح" ظاهر فِي أن الدارقطنيّ رجع عن استدراكه عليهما، فلعلّ النوويّ ما رأى كلامه، والله تعالى أعلم.