(المسألة الثانية): فِي اختلاف أهل العلم فِي لبس الأحمر:
قد اختلف السلف، فِي لبس الثوب الأحمر، عَلَى سبعة أقوال:[الأول]: الجواز مطلقا، جاء عن عليّ، وطلحة، وعبد الله بن جعفر، والبراء، وغير واحد منْ الصحابة -رضي الله عنهم-، وعن سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وأبي قلابة، وأبي وائل، وطائفة منْ التابعين رحمهم الله تعالى.
[القول الثاني]: المنع مطلقا؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، قَالَ:"مرّ عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رجل، وعليه ثوبان أحمران، فسلّم عليه، فلم يردّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-"، رواه أبو داود، والترمذيّ، وحسّنه، والبزار، وَقَالَ: لا نعلمه إلا بهذا الإسناد، وفي إسناده أبو يحيى القتّات، قَالَ المنذريّ: لا يُحتجّ بحديثه، وَقَالَ فِي "الفتح": هو حديث ضعيف الإسناد، وإن وقع فِي نسخ الترمذيّ: أنه حسن. وَلِمَا أخرجه ابن ماجه منْ حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما:"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الْمُفَدَّم"، وهو بالفاء، وتشديد الدال-: وهو المشبع بالعصفر، فسره فِي الْحَدِيث. وعن عمر: أنه كَانَ إذا رأى عَلَى الرجل ثوبا معصفرا جذبه، وَقَالَ: دعوا هَذَا للنساء، أخرجه الطبري. وأخرج ابن أبي شيبة منْ مرسل الحسن:"الحمرة منْ زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة"، وصله أبو عليّ بن السكن، وأبو محمد بن عدي، ومن طريق البيهقي (١) فِي "الشعب"، منْ رواية أبي بكر الْهُذَلي، وهو ضعيف، عن الحسن، عن رافع بن يزيد الثقفيّ، رفعه:"إن الشيطان يحب الحمرة، وإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة"، وأخرجه ابن منده، وأدخل فِي رواية له بين الحسن ورافع رجلا، فالحديث ضعيف، وبالغ الجوزقاني، فَقَالَ: إنه باطل. قَالَ الحافظ: وَقَدْ وقفت عَلَى كتاب الجوزقاني المذكور، وترجمه بـ"الأباطيل"، وهو بخط ابن الجوزي، وَقَدْ تبعه عَلَى ما ذكر فِي أكثر كتابه فِي "الموضوعات"، لكنه لم يوافقه عَلَى هَذَا الْحَدِيث، فإنه ما ذكره فِي "الموضوعات"، فأصاب.
وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه-، قَالَ خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سفر، فرأى عَلَى رواحلنا أكسية، فيها خطوط عِهْن حُمْر، فَقَالَ:"ألا أرى هذه الحمرة قد غلبتكم"، قَالَ: فقمنا سِرَاعا فنزعناها، حَتَّى نفر بعض إبلنا، أخرجه أبو داود، وفي سنده روا لم يسم.
وعن امرأة منْ بني أسد قالت: كنت عند زينب، أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ونحن نصبغ ثيابا لها بِمَغَرة، إذ طلع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلما رأى المغرة رجع، فلما رأت ذلك زينب، غسلت ثيابها، ووارت كل حمرة، فجاء فدخل، أخرجه أبو داود، وفي سنده ضعف.
(١) هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أن الصواب: ومن طريقه البيهقي. فليحرر.