[القول الثالث]: يكره لبس الثوب المتشبع بالحمرة، دون ما كَانَ صبغه خفيفا، جاء ذلك عن عطاء، وطاوس، ومجاهد، وكان الحجة فيه حديث ابن عمر المذكور قريبا فِي "الْمُفَدّم".
[القول الرابع]: يكره لبس الأحمر مطلقا؛ لقصد الزينة والشهرة، ويجوز فِي البيوت والمهنة، جاء ذلك عن ابن عبّاس، وَقَدْ تقدّم قول مالك فِي "باب التزعفر".
[القول الخامس]: يجوز لبس ما كَانَ صبغ غزله، ثم نُسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج، جنح إلى ذلك الخطّابيّ، واحتج بأن الحلة الواردة فِي الأخبار الواردة، فِي لبسه -صلى الله عليه وسلم- الحلة الحمراء، إحدى حلل اليمن، وكذلك البرد الأحمر، وبرود اليمن يصبغ غزلها، ثم ينسج.
[القول السادس]: اختصاص النهي بما يُصبغ بالمعصفر؛ لورود النهي عنه، ولا يمنع ما صبغ بغيره منْ الأصباغ، ويعكُر عليه حديث المغيرة المتقدم.
[القول السابع]: تخصيص المنع بالثوب الذي يُصبغ كله، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر، منْ بياض وسواد، وغيرهما فلا، وعلى ذلك تُحمل الأحاديث الواردة فِي الحلة الحمراء، فإن الحلل اليمانية، غالبا تكون ذات خطوط حمر وغيرها. قَالَ ابن القيم: كَانَ بعض العلماء يلبس ثوبا مشبعا بالحمرة، يزعم أنه يتبع السنة، وهو غلط، فإن الحلة الحمراء منْ برود اليمن، والبرد لا يصبغ أحمر صرفا، كذا قَالَ.
وَقَالَ الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة، بكل لون إلا أني لا أحب لبس ما كَانَ مشبعا بالحمرة، ولا لبس الأحمر مطلقا ظاهراً، فوق الثياب، لكونه ليس منْ لباس أهل المروءة فِي زماننا، فإن مراعاة زِيّ الزمان منْ المروءة، ما لم يكن إثما، وفي مخالفة الزي ضرب منْ الشهرة، وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن.
ثم قَالَ الحافظ: والتحقيق فِي هَذَا المقام، أن النهي عن لبس الأحمر، إن كَانَ منْ أجل أنه لبس الكفار، فالقول فيه كالقول فِي الميثرة الحمراء، وإن كَانَ منْ أجل أنه زِيّ النِّساء، فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء، فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كَانَ منْ أجل الشهرة، أو خرم المروءة، فيمنع حيث يقع ذلك، وإلا فَيَقْوَى ما ذهب إليه مالك منْ التفرقة بين المحافل والبيوت. أفاده فِي "الفتح" ١١/ ٤٨٩ - ٤٩٠.
وَقَالَ العلّامة الشوكانيّ رحمه الله تعالى فِي شرح حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، المذكور فِي الباب بلفظ:"كَانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته فِي حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه"، متَّفقٌ عليه.