قَالَ: وفي الباب عن أبي جحيفة، عند البخاريّ وغيره:"أنه رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خرج فِي حلة حمراء، مشمرًا، صلى إلى العنزة بالناس ركعتين". وعن عامر المزني عند أبي داود، بإسناد فيه اختلاف، قَالَ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى، وهو يخطب عَلَى بغلة، وعليه برد أحمر، وعليٌّ -رضي الله عنه- أمامه يُعَبّر عنه"، قَالَ فِي "البدر المنير": وإسناده حسن. وأخرج البيهقي عن جابر -رضي الله عنه- أنه كَانَ له ثوب أحمر، يلبسه فِي العيدين والجمعة. وروى ابن خزيمة فِي "صحيحه" نحوه بدون ذكر الأحمر.
والحديث احتج به منْ قَالَ: بجواز لبس الأحمر، وهم الشافعيّة، والمالكية، وغيرهم. وذهبت العترة، والحنفية إلى كراهة ذلك، واحتجوا بحديث عبد الله بن عمرو قَالَ: "مر عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رجل عليه ثوبان أحمران، فسلم، فلم يرد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-". رواه الترمذيّ، وأبو داود، وَقَالَ: معناه عند أهل الْحَدِيث: أنه كره المعصفر، وَقَالَ: ورأوا أن ما صبغ بالحمرة منْ مَدَر، أو غيره فلا بأس، به إذا لم يكن معصفرا.
الْحَدِيث قَالَ الترمذيّ: إنه حسن غريب منْ هَذَا الوجه انتهى. وفي إسناده أبو يحيى القتات، وَقَدْ اختُلف فِي اسمه، فقيل: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: زازان، وقيل: عمران، وقيل: مسلم، وقيل: زياد، وقيل: يزيد. قَالَ المنذري: وهو كوفيّ لا يحتج بحديثه، وَقَالَ أبو بكر البزار: وهذا الْحَدِيث لا نعلمه يُروى بهذا اللفظ، إلا عن عبد الله ابن عمرو، ولا نعلم له طريقا، إلا هَذَا الطريق، ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا إسحاق ابن منصور، قَالَ الحافظ فِي "الفتح": هو حديث ضعيف الإسناد، وإن وقع فِي نسخ الترمذيّ: إنه حسن.
وأجاب المبيحون عنه، بأنه لا ينهض للاستدلال به، فِي مقابلة الأحاديث القاضية بالإباحة؛ لما فيه منْ المقال، وبأنه واقعة عين، فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر، وحمله البيهقي عَلَى ما صُبغ بعد النسج، لا ما صبغ غزلا، ثم نسج، فلا كراهة فيه.
واحتجوا أيضًا بالأحاديث الواردة فِي تحريم المصبوغ بالعصفر، قالوا: لأن العصفر يصبغ صباغا أحمر، وهي أخص منْ الدعوى، وَقَدْ عرّفناك أن الحق، أن ذلك النوع منْ الأحمر لا يحل لبسه.
ومن أدلتهم حديث رافع بن خَدِيج -رضي الله عنه- عند أبي داود، قَالَ: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي سفر، فرأى عَلَى رواحلنا، وعلى إبلنا أكسية فيها خيوط عِهْنٍ أحمر، فَقَالَ: "ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم"، فقمنا سراعا؛ لقول رسول الله، فأخذنا الأكسية، فنزعناها عنها، وهذا الْحَدِيث لا تقوم به حجة؛ لأن فِي إسناده رجلا مجهولاً.