بالرجال، وإنما علّة الكراهة فِي ذلك أنه صبغ النِّساء، وطيب النِّساء، وَقَدْ قَالَ:"طيب الرجال ما ظهر ريحه، وخَفي لونه، وطيب النِّساء ما ظهر لونه، وخفي ريحه"(١). والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" ٦/ ٣٩٩ - ٤٠٠.
وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرح مسلم" ١٤/ ٥٤: اختلف العلماء فِي الثياب المعصفرة، وهى المصبوغة بعُصفُر، فأباحها جمهور العلماء، منْ الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، وبه قَالَ الشافعيّ، وأبو حنيفة، ومالك، لكنه قَالَ: غيرها أفضل منها، وفى رواية عنه أنه أجاز لبسها فِي البيوت، وأفنية الدور، وكرهه فِي المحافل، والأسواق، ونحوها. وَقَالَ جماعة منْ العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهى عَلَى هَذَا؛ لأنه ثبت أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبس حلة حمراء، وفي "الصحيحين" عن ابن عمر رضى الله عنهما قَالَ: رأيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بالصفرة. وَقَالَ الخطّابيّ: النهي منصرف إلى ما صُبغ منْ الثياب بعد النسج، فأما ما صُبغ غزله ثم نسج، فليس بداخل فِي النهي، وحمل بعض العلماء النهى هنا عَلَى الْمُحرِم بالحج أو العمرة؛ ليكون موافقا لحديث ابن عمر رضي الله عنهما نُهي المحرم أن يلبس ثوبا مسه ورس، أو زعفران، وأما البيهقي رحمه الله عنه، فأتقن المسألة، فَقَالَ فِي كتابه "معرفة السنن": نهى الشافعيّ الرجل عن المزعفر، وأباح المعصفر، قَالَ الشافعيّ: وإنما رخصت فِي المعصفر؛ لأني لم أجد أحدا يحكي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- النهي عنه، إلا ما قَالَ عليّ رضي الله عنه: نهاني، ولا أقول: نهاكم، قَالَ البيهقيّ: وَقَدْ جاءت أحاديث تدلّ عَلَى النهي عَلَى العموم، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص هَذَا الذي ذكره مسلم، ثم أحاديث أُخَر، ثم قَالَ: لو بلغت هذه الأحاديث الشافعيّ، لقال بها إن شاء الله -ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعيّ، أنه قَالَ: إذا كَانَ حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي، فاعملو بالحديث، ودعوا قولي، وفي رواية فهو مذهبي، قَالَ البيهقيّ: قَالَ الشافعيّ: وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، قَالَ: وآمره إذا تزعفر أن يغسله، قَالَ البيهقيّ: فتبع السنة فِي المزعفر، فمتابعتها فِي المعصفر أولى، قَالَ: وَقَدْ كره المعصفر بعض السلف، وبه قَالَ أبو عبد الله الْحَليِميّ منْ أصحابنا، ورخص فيه جماعة، والسنة أولى بالاتباع. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن القول بتحريم لبس المعصفر للرجال هو الصواب؛ لصحة الأحاديث بذلك، وأما حديث ابن عمر رضي الله تعالى
(١) تقدّم أنه حديث صحيح، أخرجه المصنّف ٣٢/ ٥١١٩ والترمذيّ رقم ٢٧٨٨.