أحمد، وأبي داود دليلاً عَلَى جواز لبس المعصفر للنساء. (ومنها): الإنكار عَلَى إحراق الثوب المنتفع به لبعض النَّاس، دون بعض؛ لأنه منْ إضاعة المال المنهي عنها، ولكنه يعارض هَذَا حديثه المذكور فِي الباب، فقد أمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالإحراق.
وَقَدْ جمع بعضهم بين الروايتين، بأنه أمر أولا بإحراقهما ندبا، ثم لما أحرقهما قَالَ له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لو كسوتهما بعض أهلك"، إعلاما له بأن هَذَا كَانَ كافيا لو فعله، وأن الأمر للندب.
قَالَ الشوكانيّ: ولا يخفى ما فِي هَذَا منْ التكلف الذي عنه مندوحة؛ لأن القضية لم تكن واحدة، حَتَّى يُجمع بين الروايتين بمثل هَذَا، بل هما قضيتان مختلفتان، وغايته أنه فِي إحدى القضيتين غلّظ عليه، وعاقبه، فأمره بإحراقهما، ولعل هذه المرة التي أمره فيها بالإحراق، كانت بعد تلك المرة التي أخبره فيها بأن ذلك غير واجب، وهذا وإن كَانَ بعيدا منْ جهة أن صاحب القصة يبعد أن يقع منه اللبس للمعصفر مرة أخرى، بعد أن سمع فيه ما سمع فِي المرة الأولى، ولكنه دون البعد الذي فِي الجمع الأول؛ لأن احتمال النسيان، وكذا احتمال عروض شبهة، توجب الظن بعدم التحريم، ولاسيما وَقَدْ وقعت منه المعاتبة عَلَى الإحراق.
قَالَ القاضي عياض: أَمرُه بإحراقهما منْ باب التغليظ والعقوبة. انتهى "نيل الأوطار" ٢/ ١٨٢ - ١٨٣.
(ومنها): أنه احتج بمن يرى جواز المعاقبة بالمال، ولكن الراجح عدم جوازه إلا فيما ورد به النصّ، وَقَدْ تقدّم تمام البحث فيه فِي "كتاب الزكاة"، فارجع إليه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"عيسى بن حمّاد": هو أبو موسى المصريّ، الملقب زُغبة، ثقة [١٠]. والسند مسلسلٌ بثقات المصريين إلى إبراهيم، ومنه مدنيّون.
وقوله:"لبوس القسيّ": بفتح اللام-: أي ما يُلبس منْ القسّيّ، قَالَ فِي "القاموس": اللِّبَاسُ، واللَّبُوسُ، واللِّبْسُ بالكسر، والْمَلْبَسُ، كمقعد، ومِنْبَر: ما يُلبس. انتهى. وتقدّم معنى "القَسّيّ"، و"الْمُعصفَر"، ومناسبة الْحَدِيث للباب واضحة، حيث إن فيه