وذهب جمهور العلماء منْ الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، وبه قَالَ الشافعيّ، وأبو حنيفة، ومالك إلى الإباحة، كذا قَالَ ابن رسلان فِي "شرح السنن"، قَالَ: وَقَالَ جماعة منْ العلماء بالكراهة للتنزيه، وحملوا النهي عَلَى هَذَا؛ لما فِي "الصحيحين" منْ حديث ابن عمر، قَالَ:"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بالصفرة"، زاد فِي رواية أبي داود، والنسائي:"وَقَدْ كَانَ يصبغ بها ثيابه كلها".
وَقَالَ الخطّابيّ: النهي منصرف إلى ما صبغ منْ الثياب، وكأنه نظر إلى ما فِي "الصحيحين" منْ ذكر مطلق الصبغ بالصفرة، فقصره عَلَى صبغ اللحية، دون الثياب، وجعل النهي متوجها إلى الثياب، ولم يلتفت إلى تلك الزيادة المصرحة بأنه كَانَ يصبغ ثيابه بالصفرة.
ويمكن الجمع بأن الصفرة التي كَانَ يصبغ بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، غير صفرة العصفر المنهي عنه، ويؤيد ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:"أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يصبغ بالزعفران".
وَقَدْ أجاب منْ لم يقل بالتحريم، عن حديث ابن عمرو المذكور فِي الباب، وحديثه الذي بعده، بأنه لا يلزم منْ نهيه له نهي سائر الأمة، وكذلك أجاب عن حديث عليّ الآتي بأن ظاهر قوله:"نهاني" أن ذلك مختص به، ولهذا ثبت فِي رواية عنه أنه قَالَ:"ولا أقول: نهاكم".
وهذا الجواب ينبني عَلَى الخلاف المشهور بين أهل الأصول فِي حكمه -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الواحد منْ الأمة، هل يكون حكما عَلَى بقيتهم أو لا، والحق الأول، فيكون نهيه لعلي وعبد الله نهيا لجميع الأمة.
ولا يعارضه صبغه بالصفرة، عَلَى تسليم أنها منْ العصفر؛ لما تقرر فِي الأصول منْ أن فعله الخالي عن دليل التأسي الخاص، لا يعارض قوله الخاص بأمته، فالراجح تحريم الثياب المعصفرة، والعصفرُ وإن كَانَ يصبغ صبغا أحمر، كما قَالَ ابن القيم، فلا معارضة بينه وبين ما ثبت فِي "الصحيحين" منْ أنه كَانَ يلبس حلة حمراء؛ لأن النهي فِي هذه الأحاديث يتوجه إلى نوع خاص منْ الحمرة، وهي الحمرة الحاصلة عن صباغ العصفر، وسيأتي ما حكاه الترمذيّ عن أهل الْحَدِيث بمعنى هَذَا. انتهى "نيل الأوطار" ٢/ ١٨١ - ١٨٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأرجح القول بتحريم لبس المعصفر عَلَى الرجال، كما سبق قريباً، ولا يستلزم ذلك تحريم المصبوغ بالصفرة؛ لما ذكر منْ أن ذلك جائز بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المتّفق عليه، فتبصّر.
(ومنها): أن فِي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما المتقدّم عند