هي هنا للعرض، وهو طلب الشيء بلين، بخلاف التحضيض، فإنه طلبه بحثّ، وتختصّ "ألا" هذه بالجملة الفعلية، نحو قوله عز وجل:{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} الآية [النور: ٢٢]، وقوله:{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} الآية [التوبة: ١٣]، ومنه هَذَا الْحَدِيث، ومنه عند الخليل قول الشاعر [منْ الوافر]:
(تَسْتَنْصِرُ لَنَا) أي تطلب لنا النصر عَلَى أعدائنا المشركين (أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا) بالنصر. والحديث مختصر، وَقَدْ ساقه البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" مطولاً، فَقَالَ:
٣٦١٢ - حدثني محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن إسماعيل، حدثنا قيس، عن خباب بن الأرت، قَالَ: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة له، فِي ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، قَالَ: كَانَ الرجل فيمن قبلكم يُحفَر له فِي الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار، فيوضع عَلَى رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه، منْ عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتِمَّنّ هَذَا الأمرُ، حَتَّى يسير الراكب منْ صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب عَلَى غنمه، ولكنكم تستعجلون".
وفي رواية له منْ طريق سفيان بن عيينة، عن بيان بن بشر، وإسماعيل بن خالد، كلاهما عن قيس، قَالَ: سمعت خبابا يقول: أتيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو متوسد بردة، وهو فِي ظل الكعبة، وَقَدْ لقينا منْ المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا تدعو الله، فقعد، وهو محمر وجهه، فَقَالَ: "لقد كَانَ منْ قبلكم، ليُمْشَط بمشاط الحديد ما دون عظامه، منْ لحم أو عصب … " الْحَدِيث.
وقوله: "منْ صنعاء الخ" يحتمل أن يريد صنعاء اليمن، وبينها وبين حضرموت منْ اليمن أيضًا مسافةٌ بعيدةٌ، نحو خمسة أيام. ويحتمل أن يريد صنعاء الشام، والمسافة بينهما أبعد بكثير، والأول أقرب، قَالَ ياقوت: هي قرية عَلَى باب دمشق، عند باب الفراديس، تتّصل بالعقيبة. قَالَ الحافظ: وسُمّيت باسم منْ نزلها منْ أهل صنعاء اليمن. قاله فِي "الفتح" ٧/ ٣٢٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث خبّاب بن الأرتّ رضي الله تعالى عنه هَذَا أخرجه البخاريّ.