وقوله:"خفيف" ليس صريحا فِي نفي التحريم، بل هو محمول عَلَى أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال، فإن كَانَ الثوب عَلَى قدر لابسه، لكنه يسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولاسيما إن كَانَ عن غير قصد، كالذي وقع لأبي بكر -رضي الله عنه-، وإن كَانَ الثوب زائدا عَلَى قدر لابسه، فهذا قد يتجه المنع فيه، منْ جهة الإسراف، فينتهي إلى التحريم، وَقَدْ يتجه المنع فيه منْ جهة التشبه بالنساء، وهو أمكن فيه منْ الأول. وَقَدْ صحح الحاكم منْ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لعن الرجل يلبس لِبْسة المرأة". وَقَدْ يتجه المنع فيه منْ جهة أن لابسه لا يأمن منْ تعلق النجاسة به، وإلى ذلك يشير الْحَدِيث الذي أخرجه الترمذيّ فِي "الشمائل"، والنسائي، منْ طريق أشعث بن أبي الشعثاء -وأسم أبيه سليم المحاربي- عن عمته -واسمها رُهْم بضم الراء، وسكون الهاء، وهي بنت الأسود بن حنظلة- عن عمها -واسمه عبيد بن خالد- قَالَ: كنت أمشي، وعلي بُرد أجره، فَقَالَ لي رجل:"ارفع ثوبك، فإنه أنقى، وأبقى"، فنظرت، فإذا هو النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقلت: إنما هي بردة ملحاء، فَقَالَ:"أما لك فيّ أسوة؟ " قَالَ: فنظرت، فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه، وسنده قبلها جيد.
وقوله:"ملحاء" -بفتح الميم، وبمهملة قبلها سكون، ممدودة: أي فيها خطوط سود، وبيض.
وفي قصة قتل عمر -رضي الله عنه- أنه قَالَ للشاب الذي دخل عليه:"ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك".
ويتجه المنع أيضًا فِي الإسبال منْ جهة أخرى، وهي كونه مظنة الخيلاء.
قَالَ ابن العربي رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجره خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكما، أن يقول: لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فيّ؛ فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة عَلَى تكبره. انتهى ملخصا.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله ابن العربيّ رحمه الله تعالى هو عين التحقيق، الذي لا يستقيم غيره مع هذه النصوص الظاهرة فِي التحريم، وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، فيحرم عليه؛ كما دلّت عَلَى ذلك ظواهر النصوص الواردة فِي النهي عن الإسبال.
ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع، منْ وجه آخر، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فِي أثناء حديث رفعه:"وإياك وجرَّ الإزار، فإن جر الإزار منْ المخيلة"، وأخرج الطبراني منْ حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-: بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ لحقنا عمرو بن