زُرارة الأنصاريّ، فِي حلة إزار ورداء، قد أسبل، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بناحية ثوبه، ويتواضع لله، ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك، حَتَّى سمعها عمرو، فَقَالَ: يا رسول الله، إني حَمْشُ الساقين (١)، فَقَالَ: يا عمرو، إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو، إن الله لا يحب المسبل … " الْحَدِيث، وأخرجه أحمد منْ حديث عمرو نفسه، لكن قَالَ فِي روايته، عن عمرو بن فلان، وأخرجه الطبراني أيضًا، فَقَالَ: عن عمرو بن زرارة، وفيه: "وضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بأربع أصابع تحت ركبة عمرو، فَقَالَ: يا عمرو هَذَا موضع الإزار، ثم ضرب بأربع أصابع، تحت الأربع، فَقَالَ: يا عمرو هَذَا موضع الإزار … " الْحَدِيث، ورجاله ثقات، وظاهره أن عمرا المذكور، لم يقصد بإسباله الخيلاء، وَقَدْ منعه منْ ذلك؛ لكونه مظنة. وأخرج الطبراني، منْ حديث الشريد الثقفيّ، قَالَ: أبصر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رجلا، قد أسبل إزاره، فَقَالَ: "ارفع إزارك"، فَقَالَ: إني أحنف تَصطكّ ركبتاي، فَقَالَ: "ارفع إزارك، فكل خلق الله حسن"، أخرجه مسدد، وأبو بكر بن أبي شيبة، منْ طرق عن رجل منْ ثقيف، لم يُسم، وفي آخره: "ذاك أقبح مما بساقك".
وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- بسند جيد أنه كَانَ يُسبل إزاره، فقيل له فِي ذلك؛ فَقَالَ: إني حَمْشُ الساقين، فهو محمول عَلَى أنه أسبله زيادة عَلَى المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساق، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين، والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة. والله أعلم.
وأخرج النسائيّ فِي "الكبرى" ٥/ ٤٨٨، وابن ماجه، وصححه ابن حبّان، منْ حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أخذ برداء سفيان بن سهيل، وهو يقول: "يا سفيان لا تسبل، فإن الله لا يحب المسبلين". قاله فِي "الفتح" ١١/ ٤٣٦ - ٤٣٧.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخّص مما ذُكر منْ الأدلة أن جرّ الإزار تحت الكعبين حرام، ولو لم يكن بقصد الخيلاء؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- جعله منْ المخيلة، وأما إذا كَانَ بقصد الخيلاء، فهو أشدّ تحريماً، وله الوعيد المذكور فِي حديث الباب، وأما ما تقدّم منْ قول النوويّ: إنه مكروه تنزيهًا، فلا يخفى ضعفه، فتبصّر.
ومما يؤيّد أن الجر المذكور محرّم مطلقاً فهم أم سلمة رضي الله تعالى عنها، كما سيأتي فِي ١٠٥/ ٥٣٣٨ - حينما سمعت منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قوله: "منْ جرّ ثوبه منْ الخيلاء لم