مع قوله تعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر: ٤٦]، فإنه يقتضي أن يكون المصور أشد عذابا منْ آل فرعون.
وأجاب الطبري، بأن المراد هنا مَنْ يُصَوّر ما يُعبد منْ دون الله، وهو عارف بذلك، قاصد له، فإنه يكفر بذلك، فلا يبعد أن يدخل مدخل آل فرعون، وأما منْ لا يقصد ذلك، فإنه يكون عاصيا بتصويره فقط.
وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات "منْ" ثابتة، وبحذفها محمولة عليها، وإذا كَانَ منْ يفعل التصوير منْ أشد النَّاس عذابا، كَانَ مشتركا مع غيره، وليس فِي الآية ما يقتضي اختصاص آل فرعون بأشد العذاب، بل هم فِي العذاب الأشد، فكذلك غيرهم يجوز أن يكون فِي العذاب الأشد، وقوّى الطحاوي ذلك، بما أخرجه منْ وجه آخر، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- رفعه:"إن أشد النَّاس عذابا يوم القيامة، رجل قتل نبيا، أو قتله نبي، وإمام ضلالة، وممثل منْ الممثلين"، وكذا أخرجه أحمد، وأخرج الطحاوي أيضًا منْ حديث عائشة، مرفوعا:"أشد النَّاس عذابا يوم القيامة رجل هجا رجلا، فهجا القبيلة بأسرها"، قَالَ الطحاوي: فكل واحد منْ هؤلاء يشترك مع الآخر فِي شدة العذاب.
وَقَالَ أبو الوليد ابن رشد فِي "مختصر مشكل الطحاوي": ما حاصله: إن الوعيد بهذه الصيغة، إن ورد فِي حق كافر فلا إشكال فيه؛ لأنه يكون مشتركا فِي ذلك مع آل فرعون، ويكون فيه دلالة عَلَى عظم كفر المذكور، وإن ورد فِي حق عاص، فيكون أشد عذابا منْ غيره منْ العصاة، ويكون ذلك دالا عَلَى عظم المعصية المذكورة.
وأجاب القرطبيّ فِي "المفهم" بأن النَّاس الذين أضيف إليهم "أَشَدُّ" لا يراد بهم كل النَّاس، بل بعضهم، وهم منْ يشارك فِي المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد النَّاس الذين ادّعوا الإلهية عذابا، ومن يُقتَدَى به فِي ضلالة كفره أشد عذابا، ممن يُقتَدَى به فِي ضلالة فسقه، ومن صور صورة ذات روح للعبادة، أشد عذابا ممن يصورها لا للعبادة.
[واستشكل]: ظاهر الْحَدِيث أيضًا بإبليس، وبابن آدم الذي سَنّ القتل.
[وأجيب]: بأنه فِي إبليس واضح، ويجاب بأن المراد بالناس، منْ يُنسب إلى آدم، وأما فِي ابن آدم، فأجيب بأن الثابت فِي حقه أن عليه مثل أوزار منْ يَقتل ظلما، ولا يمتنع أن يشاركه فِي مثل تعذيبه منْ ابتدأ الزنا مثلا، فإن عليه مثل أوزار منْ يزني بعده؛ لأنه أول منْ سن ذلك، ولعل عدد الزناة أكثر منْ القاتلين.
قَالَ النوويّ: قَالَ العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو منْ الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد، وسواء صنعه لما يمتهن، أم لغيره،